عتبر اندريا غريتي أشهر وأهمّ دوق حَكَمَ فينيسيا خلال القرن السادس عشر.
وقد انتخب لهذا المنصب بعد أن تدرّج في عدة وظائف قيادية في المجالين السياسي والعسكري.
واشتهر
غريتي بشخصيّته الصارمة، كما ُعرف عنه احتفاؤه بالفنون طوال السنوات الخمس
عشرة التي شغل فيها المنصب إلى أن توفي في العام 1538م.
المعروف أن
منصب الدوق كان محطّة أو مرحلة من مراحل التطوّر السياسي الذي شهدته أوربّا
وامتدّ لحوالي ألف عام. وقد جرت العادة أن يُنتخب شاغل المنصب من إحدى
العائلات الارستقراطية. وكان الدوق يتولى مهامّ قائد الجيش وكبير القضاة.
ومن الأمور المألوفة أن يمتدّ حكم الدوق مدى الحياة، وكثيرا ما كان يعهد
لابنه أو أحد أقاربه بخلافته. لكنْ تمّ إلغاء هذا التقليد بتأسيس مجلس
استشاري أعلى مرتبط بالإمبراطور وموكّل بمهمّة اختيار الشخص الأصلح لشغل
المنصب بعيدا عن نفوذ العائلات التقليدية.
رسم تيشيان هذا البورتريه بعد
مرور عشر سنوات على وفاة الدوق غريتي. ويظهر أن ذلك كان بطلب من عائلته
التي أرادت من وراء ذلك تكريمه وتخليد ذكراه.
في البورتريه يبدو الدوق
مرتديا ثوبا مطرّزا وقبّعة مخروطية الشكل وقد وقف بطريقة تشي بالعظمة
والقوّة والثقة الكبيرة بالنفس. فالنظرات تبدو صارمة بينما تطبق يده اليمنى
على طرف عباءته وهو يخطو إلى الأمام كما لو انه في موكب جماهيري أو
احتفالي مهيب.
ومن الواضح أن كلّ ما في هذه اللوحة يوحي بالعظمة
والفخامة والحضور القويّ لصاحبها. وما يميّزها بشكل خاصّ الطريقة البارعة
التي استخدمها تيتيان في إبراز جمال وأناقة الملابس، من العباءة الحمراء
إلى الأزرار الضخمة المذهّبة والخاتم الأرجواني الذي يزيّن اليد اليمنى إلى
الفراء الأبيض على الأطراف والحواشي.
هناك أيضا إبراز الرسّام الملامح القاسية للرجل، فالفم مطبق بصرامة والملامح متجهّمة والأنف مدبّب والنظرات مترصّدة.
في
تلك الفترة ازداد اهتمام الدوقات برسم أنفسهم. وكانت غايتهم من ذلك تمجيد
سلالاتهم وعائلاتهم والتأكيد على شرعيّتهم ومكانتهم في أعين الرعيّة
بالإضافة إلى الرغبة في إبراز طبيعة ثقافة البلاط. وأحيانا كانوا يفعلون
ذلك بدافع الدعاية السياسية البحتة وللتباهي على أقرانهم من الأمراء
والنبلاء الأوربيين.
ويقال إن تيشيان اعتمد في رسم هذا البورتريه على
كاتب سيرة حياة اندريا غريتي الذي يذكر أن الرجل كان متعطّشا للسلطة
بطبيعته وقد مارس سلطاته الوظيفية بشكل مطلق حتى آخر يوم في حياته. ولم يكن
يتسامح مع من يحاول التعدّي على سلطاته واختصاصاته. كما ُُعرف عنه أيضا
صرامته مع كلّ من يسيء استخدام سلطاته من نوّابه ومستشاريه.
وفي أوقات
تبسّطه كان الدوق يتّصف بشي من الودّ والألفة، لكنه لم يكن يتردّد في إثارة
الخوف في نفوس من حوله متى حاول أحد استفزازه أو إغضابه. كما اشتهر أيضا
بشغفه بالأشياء القديمة واحتفائه بالفنون ورعايته للآداب وفنّ العمارة.
وكثيرا ما كان يضمّن ُخطبَه وقراراته أقوالا لأرسطو وغيره من الفلاسفة.
من
جهة أخرى، كان غريتي يؤمن بأن تحقيق السلام يقتضي البعد عن الصراعات. لكنّ
هذا لا يتأتّى إلا بجيش قويّ وديبلوماسية واعية تحافظ على بقاء الجمهورية
بعيدا عن صراعات وحروب القوى الكبرى.
في ذلك الوقت كان من الأمور
المتعارف عليها أن تخضع ثروة الدوق بعد وفاته للتدقيق والتمحيص للتأكّد من
انه لم يستغلّ منصبه للإثراء غير المشروع.
وبنهاية القرن الثامن عشر،
تمّ إلغاء منصب الدوق رسميّا في فينيسيا بعد أن احتلّ نابليون المدينة
وضمّها إلى امبراطوريّته. وكان ذلك الحدث مؤذنا بطيّ صفحة مهمّة من تاريخ
نظم الحكم الأوربّية اتّسمت بسيطرة الإقطاع والأسر البورجوازية على مقاليد
الحياة العامّة.
أما تيشيان (أو تيزيان أو تيتيان كما ينطق اسمه أحيانا)
فيعتبر أحد أعظم رسّامي عصر النهضة الايطالي، كما أن أثره كان كبيرا في
زمانه وفي الأجيال العديدة من الرسّامين الذين جاءوا بعده.
وقد أتمّ هذا
البورتريه وهو في أوج شعبيّته ونضجه الفنّي. وربّما لا يداني بورتريه
الدوق غريتي من حيث الشهرة والقيمة الفنية من آثار تلك الحقبة سوى بورتريه
الدوق ليوناردو لوردان لزميله ومواطنه جيوفاني بيلليني.
توفي تيشيان بالطاعون في فينيسيا عام 1576 عن عمر يناهز التسعين. وفي بداية هذا الشهر، أي فبراير 2009، بيعت لوحته دايانا و آكتيون في مزاد بلندن بأكثر من سبعين مليون دولار أمريكي.
وهذه لوحات اخرى للفنان