حكايات الغدر والموت والدم
سعيد بدير...
اغتيال نابغة الأقمار الصناعيّة والصواريخ
القاهرة - صلاح الإمام
في
13 يوليو (تموز) عام 1989 تلقى قسم شرطة شرق في الإسكندرية بلاغا عن سقوط
شخص من أعلى عمارة في شارع طيبة بكامب شيزار على الأرض. صوِّرت القضية على
أنها محاولة انتحار، خصوصاً بعدما اكتشف المحققون قطعاً بالوريد وتسريباً
للغاز، على نحو يوحي بأن المنتحر كان مصمماً على التخلص من حياته إما
بالغاز أو القفز من شقته. لكن القضية عرفت مساراً آخر عندما
اكتشف الجميع أن المقتول هو الدكتور سعيد بدير، الذي سارعت زوجته إلى اتهام
أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأميركية بقتله، استناداً إلى معرفتها
بشخصية زوجها الراحل وقالت: {سعيد لا ينتحر أبداً...}. سعيد نجل
الفنان الراحل سيد بدير، تخرج في الكلية الفنية العسكرية، وعين ضابطاً في
القوات المسلحة المصرية، حتى وصل إلى رتبة مقدم وأحيل إلى التقاعد برتبة
عقيد بناء على طلبه، بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من إنكلترا، ثم عمل في
أبحاث الأقمار الصناعية في جامعة ليبزيخ الألمانية الغربية، وتعاقد معها
لإجراء أبحاثه طوال عامين، وهناك توصل المهندس الشاب من خلال أبحاثه إلى
نتائج متقدمة جعلته يحتل المرتبة الثالثة من بين 13 عالماً فقط على مستوى
العالم في حقل تخصصه النادر في الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ،
وبعدما رفض عرضاً من وكالة الفضاء الأميركية الـ'ناسا' للعمل فيها في مقابل
الحصول على الجنسية الأميركية وأجر مالي ممتاز، شعر بأن حياته وحياة أسرته
باتت في خطر، فكتب رسالة إلى الحكومة المصرية يطلب فيها حمايته. تلقى
سعيد اتصالاً من السلطات في القاهرة تطلب منه عودته فوراً الى أرض الوطن
وللاسف لقي حتفه على هذه الأرض حيث حلّ خبر وفاته كالصاعقة على أفراد اسرته
فاتحاً المجال للتساؤل حول مدى قدرتنا على حماية علمائنا من الأعداء في
عقر أوطانهم. يقول الدكتور سمير قديح الباحث في الشؤون الأمنية
والاستراتيجية إن هذه العملية قامت بها المخابرات الأميركية، ومن المرجح أن
المخابرات الإسرائيلية شاركت فيها. تقول سطور القصة القصيرة إن
سعيد هو ابن الفنان العظيم الراحل سيد بدير، ولد في يناير عام 1949 وفرح به
والده الفنان سيد بدير ليس لأنه كان آخر العنقود فحسب، بل لأنه في سنواته
الأولى بدا فائق الذكاء، وكلما كبر ازداد ذكاءً حتى إن أصدقائه في المدرسة
الثانوية قالوا عنه إنه كتلة من الذكاء على الأرض. في الثانوية
العامة كان سعيد بدير الثاني على مستوى الجمهورية بمجموع خمسة وتسعين في
المائة واختار الكلية الفنية العسكرية التي تخرج المهندسين الضباط، واجتاز
اختباراتها بسهولة، وظل الخط البياني له في ارتفاع حتى أصبح معيداً في
الكلية الفنية العسكرية عام 1972، ثم مدرساً مساعداً في الكلية نفسها، ثم
مدرساً فيها عام 1981. توالت إنجازاته العلمية، حتى قيل إنه {يضع
يده في الحديد فيتحوّل ذهباً}، وتحول سعيد من مدرس بالفنية العسكرية إلى
رئيس قسم الموجات والهوائيات في إدارة البحوث والتطويرات في قيادة القوات
الجوية. بدأت مخاوف الأجهزة المخابراتية التابعة للدول غير الصديقة تصل إلى
حد الرعب، خصوصاً أن لمسات سعيد بدأت تظهر في الطيران الشرقي وتزيده
تطويراً بعدما كان سيتم الاستغناء عنه في مصر وبعض الدول العربية. تحوّل
سعيد عقبة أمام أميركا، وأمام بيع السلاح، لذا بدأت القصة عندما سافر
ليكمل تعليمه ويعمل كأستاذ زائر في جامعة دويسبرغ في ألمانيا الغربية،
وكانت مدة العقد سنتين تبدأ في 1987، وتحول سعيد بسرعة إلى اسم لامع في
المحافل الدولية، وأكمل تعليمه العالي وحصد دكتوراه في هندسة الإلكترونيات
من جامعة {كنت} في إنكلترا. استمر في مواصلة أبحاثه، حتى صنف من بين
13 عالماً على مستوى العالم في الميكرويف، وكان ترتيبه الثالث، وبدأ في
ألمانيا إجراء تجارب علمية على مشروع خاص باسم 254، يتعلّق بالهوائيات
والاتصال بالفضاء وإمكان التشويش على سفن الفضاء الأميركية، فعرضت عليه
وكالة الـ'ناسا 'الأميركية العمل هناك مقابل مبلغ خيالي والجنسية
الأميركية، لكنه رفض حباً في مصر. وعندما علم بذلك الرئيس المصري
حسني مبارك عينه مستشاراً له في مجاله، واستمر سعيد في تجاربه في ألمانيا
على أساس أن الإمكانات في مصر غير متاحة لمثل هذه التجارب، وبدأت المخابرات
الأميركية تهدده بطريقة غير مباشرة، مثل محاولة قتل ولده تارة، وزوجته
طوراً، وهنا أحس سعيد بالخطر، فأرسل زوجته وولديه إلى مصر، ثم أرسل خطابا
إلى أكبر سلطة في مصر يطلب حمايته، ولما ازداد التهديد والخطر قرر أن يعود
إلى الوطن. وذكرت زوجته أنها وزوجها وابناهما كانوا يكتشفون أثناء
وجودهم في ألمانيا عبثاً في أثاث مسكنهم وسرقة كتب زوجها، ونتيجة لشعورهم
بالقلق قررت الأسرة العودة إلى مصر على أن يعود الزوج إلى ألمانيا لاستكمال
فترة تعاقده ثم عاد إلى القاهرة في 8 يونيو (حزيران) عام 1988، وكي يبعد
الأنظار عنه قرر أن يفتتح مصنعاً للإلكترونيات لمجرد صرف نظر المخابرات
الأميركية عنه، وأعلن عن هذا المصنع، وطلب شركاء ومساهمين، وانهالت عليه
العروض وكان أهمها عرض من ألمانيا. بعد ذلك الإعلان بأسبوع، تحديداً
في الإسكندرية في 13 يوليو (تموز) عام 1989 تلقى قسم شرطة شرق في
الإسكندرية بلاغاً عن سقوط شخص من أعلى عمارة في شارع طيبة في كامب شيزار
في ما يبدو أنه انتحار، لذا تم التحقيق في الإسكندرية بهذا الاتجاه، فلا
أحد كان يعرف من هو سعيد بدير وقيمته العلمية، ثم وجدوا الغاز مفتوحاً في
شقته وكأنه أراد الانتحار بالغاز وعندما فشل ألقى بنفسه من العمارة! كذلك
وجدوا وريد يده مقطوعاً أيضاً، فكأنه أراد الانتحار بطرق الموت كافة. لكن
من يعرف سعيد يؤكد أنه لا يمكن أن ينتحر أبداً، فلا هو بالفاشل في حياته،
ولا ينقصه المال مثلاً، وعندما سئلت زوجته في ما بعد 'هل تستطيعين أن تقولي
إن الموساد والمخابرات الأميركية وراء مصرع زوجك سعيد بدير؟'، أجابت بثقة:
{ذلك صحيح وبنسبة كبيرة جداً فسعيد لا ينتحر أبداً}. نوابغ العرب علماء
ونوابغ عرب كثر رفضوا هجرة أوطانهم واعتبروا أن دراستهم في الغرب فرصة
للحصول على خبرات نادرة، فتعرّضوا إلى الاغتيال وقيد ذلك كجرائم {ضد
مجهول}. في مقدمة قائمة الاغتيال الدكتورة سميرة موسى، والدكتور
يحيى المشد، والدكتور سعيد سيد بدير، وثمة أسماء كثيرة في تلك القائمة
الدامية نعرض مختصراً عنهم في السطور التالية. سمير نجيب... قُتل في حادث سيارة غامض تخرّج
عالم الذرة سمير نجيب في كلية العلوم في جامعة القاهرة، وتابع أبحاثه
العلمية في الذرة، ولكفاءته العلمية المميزة رُشحّ في بعثة إلى الولايات
المتحدة الأميركية، وعمل تحت إشراف أساتذة الطبيعة النووية والفيزياء فيما
لم يتجاوز الثالثة والثلاثين. أظهر سمير نبوغاً مميزاً وعبقرية
كبيرة خلال بحثه الذي أعده في أواسط الستينات خلال بعثته إلى أميركا، إلى
درجة أنه انتهى من إعداد رسالته قبل الموعد المحدد بعام كامل، وصودف أن
أعلنت جامعة {ديترويت} الأميركية عن مسابقة للحصول على وظيفة أستاذ مساعد
فيها في علم الطبيعة، وتقدم لهذه المسابقة أكثر من مئتي عالم ذرة من مختلف
الجنسيات، وفاز بها الدكتور سمير نجيب، وبدأ أبحاثه الدراسية التي حازت
إعجاب كثير من الأميركيين، وأثارت قلق المجموعات الموالية للصهيونية في
أميركا. بدأت تنهال على الدكتور سمير العروض المادية لتطوير
أبحاثه، لكنه، لا سيما بعد حرب يونيو 1967، شعر أن بلده في حاجة إليه، وصمم
على العودة إلى مصر وحجز مقعداً على الطائرة المتجهة إلى القاهرة يوم 13
أغسطس من عام 1967، وما إن أعلن الدكتور سمير عن سفره حتى تقدمت إليه جهات
أميركية كثيرة تطلب منه عدم السفر، وعرضت عليه إغراءات علمية ومادية متعددة
كي يبقى في الولايات المتحدة، لكنه رفض. وفي الليلة المحددة
لعودته إلى مصر، وفي مدينة ديترويت وبينما كان يقود سيارته والآمال الكبيرة
تدور في عقله ورأسه، يحلم بالعودة إلى وطنه لعرض جهده وأبحاثه ودراساته
على المسؤولين، ثم يرى عائلته بعد غياب، فوجئ في الطريق العام بسيارة نقل
ضخمة، ظن في البداية أنها تسير في الطريق شأن باقي السيارات، حاول قطع الشك
باليقين فانحرف إلى جانبي الطريق، لكنه وجد أن السيارة تتعقبه، وفي لحظة
مأساوية أسرعت سيارة النقل ثم زادت من سرعتها واصطدمت بسيارته التي تحطمت
ولقي الدكتور مصرعه فوراً، وانطلقت سيارة النقل بسائقها واختفت، وقُيّد
الحادث ضد مجهول، وفقدت الأمة العربية عالماً كبيراً كان ليعطي بلده وأمته
الكثير في مجال الذرة. نبيل القليني... خرج من منزله لم يعد قصته
غاية في الغرابة، فقد اختفى منذ عام 1975 ولم يُعرف مصيره بعد. كان هذا
العالم قد أوفدته كلية العلوم في جامعة القاهرة إلى تشيكوسلوفاكيا للقيام
بمزيد من الأبحاث والدراسات في الذرة، فكشف عن عبقرية علمية كبيرة تحدثت
عنها جميع الصحف التشيكية، ثم حصل على الدكتوراه في الذرة من جامعة براغ،
وفي صباح 27 يناير (كانون الثاني) من عام 1975 دق جرس الهاتف في الشقة التي
كان يقيم فيها الدكتور القليني، فخرج ولم يعد إلى الآن! وعندما
انقطعت اتصالاته مع كلية العلوم في جامعة القاهرة، أرسلت الكلية إلى
الجامعة التشيكية تستفسر عن مصير نبيل الذي كان بعبقريته حديث الصحافة
التشيكية والأوساط العلمية العالمية، ولم ترد الجامعة التشيكية، وبعد رسائل
ملحة عدة، ذكرت السلطات التشيكية أن العالم الدكتور القليني خرج من بيته
بعد مكالمة هاتفية ولم يعد. الغريب أن الجامعة التشيكية علمت بنبأ
الاتصال الهاتفي فمن أين علمت به؟ وهل اتصلت بالشرطة التشيكية؟ إذا كانت
الشرطة أخبرت إدارة الجامعة التشيكية فمن أين عرفت الشرطة؟ لكن الأغرب أن
السلطات المصرية (عام 1975) لم تحقق في الجريمة.
نبيل أحمد فليفل... اختفاء غامض نبيل
أحمد فليفل عالم ذرة فلسطيني شاب، استطاع دراسة الطبيعة النووية، وأصبح
عالماً في الذرة وهو في الثلاثين، وعلى رغم أنه كان من مخيم 'الأمعري' في
الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد رفض العروض كافة التي انهالت عليه في
الخفاء وعن طريق الوسطاء للعمل في الخارج، وكان يحلم بأن يخدم وطنه بأبحاثه
ودراساته العلمية، وفجأة اختفى الدكتور نبيل، وفي 28 أبريل (نيسان) من عام
1984، عثر على جثته في منطقة 'بيت عور'... ولم يتم التحقيق في شيء! حسن كامل صباح... {أديسون العرب} يصل
عدد ما اخترعه اللبناني العبقري حسن كامل الصباح من أجهزة وآلات في مجالات
الهندسة الكهربائية والتلفزة وهندسة الطيران والطاقة إلى أكثر من 176
اختراعاً سُجلت في 13 دولة مثل: الولايات المتحدة الأميركية، بلجيكا، كندا،
بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، أستراليا، الهند، اليابان، إسبانيا، واتحاد دول
إفريقيا الجنوبية. بدأ العالم اختراعاته عام 1927 بجهاز ضبط الضغط
الذي يعين مقدار القوة الكهربائية اللازمة لتشغيل مختلف الآلات ومقدار
الضغط الكهربائي الواقع عليها، وفي عام 1928 اخترع جهازاً للتلفزة يستخدم
تأثير انعكاس الإلكترونيات من فيلم مشع رقيق في أنبوب الأشعة المهبطية
الكاثودية، وهو جهاز إلكتروني يمكن من سماع الصوت في الراديو والتلفزيون
ورؤية صاحبه في آن، كذلك اخترع جهازاً لنقل الصورة عام 1930، ويستخدم اليوم
في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة،
خصوصاً السينما سكوب، إضافة إلى التلفزيون. في العام نفسه، اخترع
جهازاً لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية مستمرة، وهو عبارة عن
بطارية ثانوية يتولد بها حمل كهربائي بمجرد تعرضها إلى أشعة الشمس، وإذا
وُضع عدد منها يغطي مساحة ميل مربع في الصحراء، فإن القوة الكهربائية التي
يمكن استصدارها من الشمس عندئذ تكون 200 مليون كيلو وات، وعرض الصباح
اختراعه على الملك فيصل الأول ملك العراق ليتبناه، لكن الأخير توفي، ثم
عرضه على الملك عبد العزيز بن سعود لاستخدامه في صحراء الربع الخالي، لكن
الصباح توفي بعد فترة وجيزة. وكان قد شرع قبيل وفاته في تصميم محرك طائرة إضافي يسمح بالطيران في الطبقات العليا من الجو، وهو شبيه بتوربينات الطائرة النفاثة. مساء
31 مارس (أذار) من عام 1935 كان حسن كامل الصباح عائداً إلى منزله في
الولايات المتحدة فسقطت سيارته في منخفض عميق ونقل إلى المستشفى، لكنه فارق
الحياة وعجز الأطباء عن تحديد سبب الوفاة، خصوصاً أنه وجد على مقعد
السيارة من دون أن يصاب بأية جروح، ما يرجح وجود شبهة جنائية فهو كان يعاني
من حقد زملائه الأميركيين في الشركة، وذكر ذلك في خطاباته إلى والديه،
وحمل جثمان العالم اللبناني والمخترع البارع حسن كامل الصباح في باخرة من
نيويورك إلى لبنان، وشيع إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه في بلدة النبطية -
جنوب لبنان. ورثاه رئيس شركة جنرال إلكتريك قائلاً: {إنه أعظم المفكرين الرياضيين في البلاد الأميركية، وإن وفاته تعد خسارة لعالم الاختراع}. رمال حسن رمال... وفاة غامضة في معمله أحد
أهم علماء العصر في مجال فيزياء المواد كما وصفته مجلة 'لوبوان'، التي
قالت أيضاً إنه مفخرة لفرنسا، وتعتبره دوائر البحث العلمي في باريس السابع
من بين مائة شخصية تصنع في فرنسا ملامح القرن الحادي والعشرين العلمية. جاءت
وفاته في ظروف مريبة، إذ تُوفي في المعمل ووسط الأبحاث العلمية التي تحدثت
عنها فرنسا، ولم يستبعد وجود أصابع خفية وراء الوفاة التي تتشابه مع وفاة
العالم حسن صباح في عدم وجود آثار عضوية مباشرة على الجثتين!، وأيضاً وقعت
حادثة وفاته بعد حسن كامل الصباح بفترة قليلة. وكانت فرنسا قد
طلبت من العالم الراحل العمل لديها عقب حصوله على درجة الدكتوراه فوافق على
تولي منصب أستاذ في جامعة غرونوبل إضافة إلى عمله كباحث في المركز الوطني
للبحوث العلمية الذي يضم خلاصة العقول المفكرة في فرنسا. كذلك تولى مهام
مدير قسم الفيزياء الميكانيكية والإحصائية في المركز بعد فوزه بالميدالية
الفضية عن أبحاثه حول فيزياء المواد، وتمكن من التوصل إلى اكتشافات علمية
مبهرة في مجال الطاقة، وأبرز إنجازاته العلمية اكتشافاته في مجال الطاقة
البديلة باستخدام الطاقة الشمسية والكهرباء الجوية والطاقة الصادرة عن بعض
الأجسام الطبيعية.