يطرح الاقتحام المفاجئ للانترنت لعالم البشر سجالات عنيفة تتعلّق بالقواعد المنظمة لهذا الفضاء ومدونات السلوك التي يمكن إقرارها في هذا الصدد. ويبدو التكهن بمستقبل هذا السجال وما ستؤول إليه الأمور مستقبلا موضوعا معقدا جدا رغم أنّ الانترنت اختراع بشريّ في النهاية ويمكن أن يتغير بحسب مجريات الحياة.
لندن : في وقت تكثر فيه الثرثرة وتتواصل فيه موجات الجدل بشأن الطبيعة التي تتميز بها الشبكة العنبكوتية التي جرى اختراعها قبل سنوات ليست بالبعيدة، أكد تقرير نشرته اليوم صحيفة الغارديان البريطانية على أن تلك الشبكة ليست بطائرة الوعي المُحَلِّقة التي تم تحريرها من أخلاق قديمة منهكة، بل إنها تمثل اختراعا يمكنه أن يتغير بحسب مجريات الحياة، وأنها ستحتاج لمزيد من الوقت لكي تضع قواعد حضارية خاصة بها.
ومع أن تلك القواعد لم تتحقق بعد، إلا أن منعها من القدوم ليس بالأمر الذي يمكننا التحكم فيه.
فجميع المخلوقات البشرية أضحت جزءً من ثقافة، نعرف فيها الصواب من الخطأ. ثم مضت الصحيفة تشبه الحالة التي تمر بها الآن شبكة الإنترنت بالحالة التي كانت عليها الطرق السريعة، عندما تم افتتاح أول امتداد لمثل هذه الطرق في العام 1958، حيث لم تكن هناك أية حدود خاصة بالسرعة.
وأشارت إلى أن هذا التظاهر الرائع بالحرية ( حيث كان بمقدور الجميع استخدام تلك الطرق دون قيود) قد استمر إلى أن اكتسبت تلك الطرق أهمية، وأضحت وسيلة أساسية للربط السريع بين الأماكن.
وأشارت الصحيفة في هذا الإطار إلى أن الضجة المثارة حالياً حول موقع التدوين المصغر تويتر عبارة عن تذكير صغير بأن الإنترنت تقترب من مرحلة تحديد السرعة.
ومضت الغارديان تقول إن أحد أعضاء مجلس المحافظين في برمنغهام قد تم إلقاء القبض عليه الأسبوع الماضي بعدما أعلن على الموقع عن رغبته في أن يتم رجم الكاتبة ياسمين أليبهاي- براون حتى الموت.
كما خسر رجل آخر محاولته استئناف حكم كان قد صدر ضده، وبالتالي تم إدانته بموجب قانون متعلق بسوء استخدام الهواتف ويعود إلى عقد الثلاثينات من القرن الماضي، وذلك بعدما أعلن لأتباعه البالغ عددهم 600 شخص أنه يرغب في نسف المطار الكائن في المنطقة التي يقيم بها.
ورغم أن مثل هؤلاء الأشخاص كانوا يغمزون ويلمزون بسخافات فارغة، إلا أنهم لم يكونوا يتحدثون إلى أنفسهم، بل كانوا يخاطبون ويتحدثون إلى آخرين.
فقد تم ضبطهم في منطقة تفصل ما بين هو شخصي وبين ما هو علني. لكن أغلبية الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن اقتربوا من موقع تويتر – بمن فيهم ضباط الشرطة والمحامين – لن يكون لديهم فكرة عن الافتراضات غير المعلنة التي تحيط به بالفعل.
وهنا، أوضحت الصحيفة أن تويتر يتألف من أحاديث عابرة، وسر الانجذاب إليه يتمثل في ابتعاده عن الرسميات، بالإضافة إلى تجريده من السلطة والتسلسل الهرمي، في وقت أضحت فيه السهولة الهائلة في الاتصال بمثابة الوسيلة التي تُمَكِّن الأشخاص من كسر الحواجز التي قد تكون ذات قيمة، وتؤدي إلى شعور زائف في بعض الأحيان بالوصول إلى المعرفة.
وفي وقت انبعثت فيه الحضارة من خلال قمع الغرائز الفورية، فإن إحساسنا العام بما هو في الداخل وما هو وراء الحدود يعمل لتقييد الكتابة، وإبلاغ المحررين. كما أنه يتفاعل مع القانون، حيث يتعين على المحاكم أن تفسر المعنى العادي لعبارات مثل "تعليق عادل"، و"المصلحة العامة" و "لا مبرر له".
ولفتت الصحيفة في السياق ذاته إلى أن هذا الشعور العام بالملاءمة قد تم بناؤه على مدى قرون، وربما تكون لدينا منذ نعومة أظافرنا. فهو شيء خفي، يُقدِّم درجات متفاوتة من التشدد وفقاً للظروف.
وفي الوقت الذي رأت فيه الصحيفة أن الكتب والصحف اليومية والبرامج التلفزيونية التي تبث على الهواء قد تجذب مستويات مختلفة من القيود، إلا أنها أشارت إلى أن الانترنت قد وصل بصورة مفاجئة للغاية، وأن عالم التدوين قد تم بناؤه بصورة سريعة للغاية. ولم يكن الناس على دراية في الحقيقة بالقواعد، التي لم يكن لها وجود.
ورغم اعتراف الصحيفة بصعوبة التكهن بالمكان الذي سينتهي فيه ذلك، إلا أنها أكدت أن المناوشات قد بدأت لتوها.
وتابعت بقولها إن مؤسسات مثل تويتر، وفيسبوك، وغوغل، لن تستمر لمدة طويلة في صورتها الحالية.
وإلى أن يتم التوصل إلى نتيجة مستقرة، أوضحت الغارديان أن الأشخاص لن يوافقوا على مدونات خاصة بالسلوك، وإن كان الإنترنت سيتعاظم بالفعل.
فشركات مثل آبل بدأت تبني حواجزاً حول عوالمها الموجودة على الإنترنت. كما يتسبب موقع تويتر الآن في إرباك رجال الشرطة، بالاتساق مع سعى الشركات الخاصة لفرض النظام، حيث يتعثر على الدولة القيام بهذا الأمر : وإن كان يتعين علينا فرض ذلك النظام على أنفسنا.