من المعلوم أن نوع الجنس البشري كذكر أو أنثى يتحدد بعد إرادة الله عز وجل بواسطة حيوان منوي واحد يحمل كروموزوما واحداً من بين 23 كروموزوما، وهذا الكروموزوم الواحد هو XY، والعجيب أن المسؤول عن تحديد نوع الجنين هو الرجل وليس المرأة كما يظن بعض العوام، ثم يولد الطفل ذكرا وتنمو عبر سنين طفولته الغدد والأعضاء المناسبة لجنسه، حتى يصل إلى مرحلة البلوغ فتبدأ الغدد في إفراز الهورمونات المذكرة وتظهر عليه الصفات الذكورية، ويدخل في مرحلة جديدة من حياته تسمى المراهقة، تتدفق فيها تلك الهورمونات في عروقه محدثة تغيرات جسدية ونفسية وعاطفية، وانقلابا في نظراته وتصوراته وتطلعاته، ويدخل في مرحلة الشباب، ويبدأ لديه الشعور الشديد بالميل نحو الجنس الآخر والرغبة في تكوين الأسرة وإنجاب الولد، فيكني البعض نفسه بأبي "فلان" وهو لم يتزوج بعد، وفي هذه المرحلة يبدأ الأبوان بمناشدته في التصرف كرجل ويطالبونه بذلك فيقولون له: "كن رجلا يا بني"، وهذه المراحل يقطعها الإنسان من الذكورة إلى الرجولة في عقدين من عمره، وهي مراحل فسيولوجية ليس له تحكم فيما يحدث له فيها بشكل مباشر.
لقد راعت الشريعة الغراء هذه المرحلة العمرية، ووضعت لها من الضوابط ما يحد من غلوائها، فطالبت الشباب بعدم الدخول على آبائهم وأمهاتهم وقت الراحة إلا بعد الاستئذان، وأمرت بالتفريق بين الإخوة والأخوات في المضاجع، وأمرت الفتيات بالحجاب والستر، قطعا لدابر نار الفتنة التي تؤججها تلك الهورمونات الذكورية، كما أمرت الشباب بغض البصر وحضتهم على العفاف والتحصن، بل وأمرت من استطاع منهم النكاح أن يتزوج ومن لم يستطع أن يصوم لفوائد الصيام في إضعاف الغريزة، وبالإضافة إلى هذا كله فقد التمست الشريعة لهؤلاء الشباب العذر في حالة الوقوع في فاحشة الزنا فقضت بجلدهم مئة جلدة والتغريب عاما لعل ذلك الشاب أن ينسى تلك الصبوة المحرمة وأن يبدأ حياته من جديد، فيا لها من شريعة سمحة شعارها قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله تعالى (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا).
إذا فالذكورة شيء والرجولة شيء أكبر، فكل الرجال من جنس الذكور وليس العكس، وعلى أولئك الذين يعلنون عن مراكز الذكورة أن يفرقوا بين المصطلحين، عليهم أن يفرقوا بين العمليات الفسيولوجية التي تتم في كل الكائنات الحية بما فيها طائفة الثدييات ومن بينها الإنسان الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته فأضفى على ذكورته أبعادا أخلاقية وقيمية جعلت منه رجلاً، فاصطفى الله من الرجال أنبياءه ورسله ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم)، وحماة لدينه ونبيه فقال(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)، واختار منهم قوما لعمارة بيوته في الأرض ( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال)، وأوكل إلى هؤلاء الرجال القوامة على المنزل والزوجة (الرجال قوامون على النساء)، ورتب على ذلك حقوقاً كحق الطلاق مثلا وواجبات كالنفقة والجهاد في سبيل الله.
إن الرجولة حزمة كاملة لا بد من أخذها جملة دون تجزئة، وعلى كل من ينتمي إلى طائفة الذكور أن يوقن بأن جميع العجماوات شركاء له في انتمائه الهورموني والكروموزومي بما في ذلك تيوس وثيران السفاد - جيلي يتذكر ذلك التيس المنتن الرائحة "تيس القرارة"،لزيادة الهورمونات في بدنه، والذي كان البعض يشتريه ويوقفه كصدقة جارية! لتلقيح إناث الماعز-، وما نشاهده الآن من إعلانات تدعو الشباب إلى التوسع في الاهتمام بالمظاهر الخداعة من تضخيم العضلات بالهورمونات والأحماض الأمينية قد تصب في مصب مظاهر الذكورة ولكنها حتما ليست متعلقة بمفاهيم الرجولة.
لقد تجلى مفهوم الرجولة في نماذج بشرية حفظها قرآننا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهذا سيدنا يوسف عليه السلام يترفع عن الوقوع في الرذيلة وهو من هو نسبا وجمالا وشبابا، على الرغم من أن من يراودنه قد جمعن المجد من أطرافه، ويرضى بالسجن بضع سنين، تمسكا منه بمبادئه وقيمه ومثله العليا، فلم يسقط صريعا للتأثير الهورموني في جسده الشاب، بينما يسقط في أوحال الخطيئة وأمراضها اليوم شباب -بل وكهول!- مع ساقطات مصابات بكل أنواع الأمراض الجنسية، جمعن مع المرض القبح والقذارة، فيا سبحان الله!.
صفات الرجولة الحقة هي تلك التي تجسدت في خاتم الأنبياء والمرسلين والتي وصفته بها أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بقولها:" إنك لتحمل الكل وتقري الضيف وتنصر المظلوم وتعين على نوائب الدهر"، لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم مع امرأة تكبره بخمسة عشر عاما وهو في أوج شبابه فلم يتهمه أعداؤه يوما بأنه قد تطلع إلى غيرها، بل إنه تجاهل العرض الذي تقدم به عتبة بن ربيعة ضمن جملة من العروض فجاء رده مخيبا لمن ظن أنه ممن تتحكم به الغدة الصنوبرية وليس إيمانه بربه ودعوته، ويكذب -ويعلم بأنه يكذب- من اتهم نبينا الأكرم بأنه قد تزوج النساء شهوة، فهو عليه السلام أشرف وأكرم، بل إن ربه قد حرم عليه في آخر عمره أن يتزوج أو يستبدل من نسائه واحدة لحكمة يعلمها، فامتثل لأمر ربه راضيا.
هناك مراهقتان لا بد من الإشارة إليهما: المراهقة الأولى الطبيعية المعروفة و" المراهقة الثانية أو المتأخرة"، فالثانية مرضية تصيب بعض الرجال في مرحلة الكهولة، وهي التي سقط في أوحالها كبار الساسة حول العالم، كما حصل لوزير الدفاع البريطاني بروفيمو مع العارضة هيلين كيلر، وقبله وأشد منه ما حصل لمنظم حملة انتخابية أمريكية على يد ساقطة صورته وهو يحبو عاريا على يديه وقدميه، ثم سمعنا عن رئيسي أكبر دولتين في العالم - لا أدري من منهما تدير الأخرى!- فضحهما الله على رؤوس الأشهاد بعد أن اشتعل رأساهما شيبا، ثم لحق بهما وزير وجنرال لذات السبب تحرش واغتصاب، وكل تلك الحوادث قد حصلت نتيجة لعمل نساء تحت إمرة ذكور - وليسوا رجالاً-، فهل نعتبر؟!.
الرجولة هي خصال الفروسية ومعاني الشهامة ومكارم الأخلاق، يكفي الواحد منا أن يقول "فلان رجل - أو رجال- بالعامية" ليختصر على السامع مقصوده، ليس من الرجولة في شيء أن يتزوج أحدهم امرأته وهو شاب مستور الحال، حتى إذا فتح الله عليه عمد إلى الزواج من أخرى دون مبرر إلا أن أغناه الله من فضله، بل لم يكتف بذلك وحسب وإنما صار يوزع بركاته! على نساء المسلمين -وغيرهن أحيانا- في أنحاء الأرض مستغلا حاجتهن وزاعما أنه يفعل ذلك تأسيا بسيد الخلق - كما يفعل بعض الشباب اليوم عند معاتبتهم على الإطالة المقززة لشعورهم كالنساء-، فيتزوج صاحبنا مرة مسيارا وأخرى تسيارا وثالثة بنية الطلاق ورابعة بنية نشر الخير والتعارف بين شعوب الأرض - ودائما ما يوجه بوصلته لغير إفريقيا!-، ويترك زوجته الأولى أو من سبق من زوجات وأبناءهن عالة يتكففون الناس أو عرضة للضياع أو نهبا للتفكك الأسري.
إنني كطبيب أرى الكثير من ممارسات البعض التي يندى لها الجبين وأخشى على بعض من يوغل في تجاوزاته من سوء عاقبة ظلمه وأنانيته المفرطة تلبية لرغباته الذكورية، والسؤال الذي أطرحه على كل من يتوسع في مفهوم الذكورة على حساب الرجولة هو ذات السؤال المحمدي:" أتحبه لأمك، أتحبه لأختك...لعمتك..لخالتك!"، أتحب هذه الممارسات لبناتك؟!، فإن قال: نعم، وإن كنت أستبعد ذلك من عاقل سوي فإنني أتساءل عن حججه حول استخفائه بممارساته هذه عن قرابته وأهله إن كان موقنا بعظم نفعها، وما قوله في حديث نبينا:" الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وإن أفتاك الناس وأفتوك!".ما أجمل قول الشاعر: إن الرجال وإن راعتك كثرتهم// إذا خبرتهم لم تلف من رجل، وتذكروا معي قول القائل "الرجل هو الرأس، ولكن المرأة تديره"، وعلى الباغي -من الذكور- تدور الدوائر غالباً.
*نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية
منتديات جنيفا الأروع ... الأحلى .... الأجمل .... الأمثل