علامات و أسباب حسن الخاتمة و سوء الخاتمة
خالد بن عبدالرحمن الشايع
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:
أما بعد : -
أولاً : حسن الخاتمة
حسن الخاتمة هو: أن يوفقالعبد قبل موته للتقاصي عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوبوالمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك علىهذه الحال الحسنة، وممايدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيفيستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد والترمذيوصححه الحاكم في المستدرك.
ولحسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس.
أما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته منرضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال عزوجل : (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت: 30 ، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم.
وممايدل على هذا أيضا ما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما) عن أم المؤمنينعائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحبلقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فقلت: يانبي الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: (ليس كذلك، ولكن المؤمنإذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بشربعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه) .
وفيمعنى هذا الحديث قال الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلام : (ليس وجهه عنديكراهة الموت وشدته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلكإيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة)،وقال : (ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال: (إن الذينلا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة واطمأنوا بها) يونس:
7
وقالالخطابي: (معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحباستمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهية بضد ذلك)
وقال الإمام النووي رحمه الله: (معنىالحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع فيالحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ماهو صائر إليه)
أماعن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراءالنصوص الواردة في ذلك، ونحن نورد هنا بعضا منها، فمن ذلك:
* النطق بالشهادة عند الموت، ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)
ومنها: الموت برشح الجبين، أي : أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موت المؤمن بعرق الجبين) رواه أحمد والترمذي.
* ومنها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).
*ومنها: الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازيا في سبيلالله، أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موتهغرقاً، ودليل ما تقدم ما رواه مسلم فيصحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يارسول الله ، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذا لقليلقالوا: فمن هم يا رسول الله ؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن ماتفي سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطنفهو شهيد، والغريق شهيد).
* ومنها: الموت بسبب الهدم، لمارواه البخاري ومسلم عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة:المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) .
* ومن علامات حسن الخاتمة، وهو خاص بالنساء : موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو هي حامل به، ومنأدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عبادة بن الصامت أنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشهداء، فذكر منهم:(والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) يعني بحبل المشيمة الذي يقطع عنه.
[center]* ومنها الموت بالحرق وذات الجنب،
ومنأدلته أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصنافاً من الشهداء فذكر منهمالحريق، وصاحب ذات الجنب: وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.
* ومنها: الموت بداء السل، حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شهادة.
*ومنها أيضاً : ما دل عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه صلى اللهعليه وسلم قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد،ومن قتل دون دمه فهو شهيد) .
* ومنها: الموت رباطا في سبيل الله، لمارواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهروقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمنالفتان) . ومن أسعد الناس بهذا الحديث رجال الأمن وحرس الحدود براً وبحراً وجواً على اختلاف مواقعهم إذا احتسبو الأجر في ذلك .
[center]* ومن علامات حسن الخاتمة الموت على عمل صالح،
لقولهصلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بهادخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد وغيره.
*فهذه نحو من عشرين علامة على حسن الخاتمة علمت باستقراء النصوص، وقد نبهإليها العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه القيم (أحكامالجنائز).
* واعلم أخي الكريم وأختي الكريمة أن ظهور شيء من هذه العلامات أو وقوعهاللميت، لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك،كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحوذلك. فهذا كله من الغيب.
أسباب حسن الخاتمة
*من أعظمها: أن يلزم الإنسان طاعة الله وتقواه، وراس ذلك وأساسه تحقيقالتوحيد، والحذر من ارتكاب المحرمات، والمبادرة إلى التوبة مما تلطخ بهالمرء منها، وأعظم ذلك الشرك كبيره وصغيره.
* ومنها: أن يلح المرء في دعاء الله تعالى أن يتوفاه على الإيمان والتقوى.
* ومنها: أن يعمل الإنسان جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه، وأن تكوننيته وقصده متوجهة لتحقيق ذلك، فقد جرت سنة الكريم سبحانه أن يوفق طالبالحق إليه، وان يثبته عليهن وأن يختم له به.
أسباب لحسن الخاتمة
1- الاستقامة :
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَااللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلاّتَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْتُوعَدُونَ}
2- حسن الظن بالله :
عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يقول الله تعالى أن عند حسن ظن عبدي بي )) رواه البخاري ومسلم .
3- التقوى :
قال تعالى : {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}
4- الصدق :
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}
5- التوبة :
قال تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
6- المداومة على الطاعات
7- ذكر الموت وقصر الأمل
8- الخوف من أسباب سوء الخاتمة :
كالإصرار على المعاصي وتسويف التوبة وحب الدنيا .
* تم إضافة 8 أسباب لحسن الخاتمة من كتاب العقد الثمين لعيد العنزي
ثانياً : سوء الخاتمة
أما الخاتمة السيئة فهي:أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربه جل وعلا، مقيم على مسا خطه سبحانه،مضيع لما أوجب الله عليه، ولا ريب أن تلك نهاية بئيسة، طالما خافهاالمتقون، وتضرعوا إلى ربهم سبحانه أن يجنبهم إياها.
وقد يظهر على بعض المحتضرين علامات أو أحوال تدل على سوء الخاتمة، مثلالنكوب عن نطق الشهادة - شهادة أن لا إله إلا الله - ورفض ذلك، ومثلالتحدث في سياق الموت بالسيئات والمحرمات وإظهار التعلق بها، ونحو ذلك منالأقوال والأفعال التي تدل على الإعراض عن دين الله تعالى والتبرم لنزولقضائه.
ولعل من المناسب أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك:
فمن الأمثلة:-
*ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله (في كتابه: الجواب الكافي) أن أحدالناس قيل له وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فقال: وما يغني عنيوما أعرف أني صليت لله صلاة؟! ولم يقلها.
* ونقل الحافظ ابن رجب رحمه الله (في كتابة: جامع العلوم والحكم ) عن أحدالعلماء، وهو عبدالعزيز بن أبي رواد أنه قال: حضرت رجلا عند الموت يلقن لاإله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول . ومات على ذلك، قال:فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، فكان عبدالعزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنهاهين التي أوقعته.
* ونحو هذا ما ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله أ، رجلا كان يجالس شرابالخمر، فلما حضرته الوفاة جاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له: اشرب واسقنيثم مات.
* وذكر الحافظ الذهبي رحمه الله أيضا (في كتابه: الكبائر) أن رجلا ممنكانوا يلعبون الشطرنج احتضر، فقيل له: قل لا إله إلا الله فقال: شاهك. فياللعب، فقال عوض كلمة التوحيد: شاهدك.
* ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله عن رجل عرف بحبه للأغانيوترديدها، فلما حضرته الوفاة قيل له: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذيبالغناء ويقول: تاتنا تنتنا … حتى قضى، ولم ينطق بالتوحيد.
* وقال ابن القيم أيضا: أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهوعنده، وجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، وهذامشتر جيد، هذه كذا. حتى قضى ولم ينطق التوحيد نسأل الله العافية والسلامةمن كل ذلك.
* وها هنا تعليق للعلامة ابن القيم رحمه الله نورد ما تيسر منه، حيث عقبعلى بعض القصص المذكورة آنفا، فقال: (وسبحان الله، كم شاهد الناس من هذاعبراً؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم، فإذا كان العبدفي حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه، قد تمكن منه الشيطان، واستعمله فيمايريده من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى، وعطل لسانه عنذكره، وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به عند سقوط قواه، واشتغال قلبه ونفسهبما هو فيه من ألم النزع؟ وجمع الشيطان له كل قوته وهمته، وحشد عليه بجميعما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليهشيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحال، فمن ترى يسلم على ذلك؟فهناك: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرةويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) إبراهيم: 27 . فكيف يوفق بحسنالخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطاً،فبعيد من قلبه بعيد عن الله تعالى غافل عنه، متعبد لهواه، أسيرلشهواته،ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصيته -بعيد أن يوفق للخاتمة بالحسنى) أ.هـ
* وسوء الخاتمة على رتبتين - نعود الله من ذلك: على القلب عند سكرات الموتوظهور أهواله: إما الشك وإما الجحود فتقبض الروح على تلك الحال وتكونحجابا بينه وبين الله، وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب المخلد .
* والثانية وهي دونها، أ، يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنياأو شهوة من شهواتها المحرمة، فيتمثل له ذلك في قلبه، والمرء يموت على ماعاش عليه، فإن كان ممن يتعاطون الربا فقد يختم له بذلك، وإن كان ممنيتعاطون المحرمات الأخرى من مثل المخدرات والأغاني والتدخين ومشاهدة الصورالمحرمة وظلم الناس ونحو ذلك فقد يختم له بذلك، أي بما يظهر سوء خاتمتهوالعياذ بالله ، ومثل ذلك إذا كان معه أصل التوحيد فهو مخطور بالعذابوالعقاب.
[center]أسباب سوء الخاتمة
وبهذا يعلم أن سوء الخاتمة يرجع لأسباب سابقة، يجب الحذر منها.
* ومن أعظمها: فساد الاعتقاد، فإن من فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك أحوج ما يكون إلى العون والتثبيت من الله تعالى:
* ومنها: الإقبال على الدنيا والتعلق بها.
* ومنها: العدول عن الاستقامة والإعراض عن الخير والهدى.
* ومنها: الإصرار على المعاصي وإلفها ، فإن الإنسان إذا ألقت شيئا مدةحياته وأحبه وتعلق به، يهود ذكره إليه عند الموت، ويردده حال الاحتضار فيكثير من الأحيان.
* وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذلصاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعفالإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال تعالى: (وكان الشيطان للإنسان خذولا)الفرقان:29
* وسوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه معالله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمةلمن فسد باطنه عقدا، وظاهره عملا، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام علىالجرائم ، فربما غلب ذلك عيه حتى ينزل به الموت قبل التوبة)
أخي الكريم أختي الكريمة:
لأجلذلك كان جديرا بالعاقل أن يحذر من تعلق قلبه بشيء من المحرمات، وجديرا بهأن يلزم قلبه ولسنانه وجوارحه ذكر الله تعالى، وأن بحافظ على طاعة اللهحيثما كان، من أجل تلك اللحظة التي إن فاتت وخذل فيها شقي شقاوة الأبد.
الهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يومنلقاك فيه، اللهم وفقنا جميعا لفعل الخيرات واجتناب المنكرات . وصلى اللهوسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
منقول............
ربي ساّمِحني عِندَمَاّ أَحزَن عَلّى شَيء أَرَدَتَـُه
وَ لَم تَكتُبُه لِي....