تطور العقيدة العسكرية الاسرائيلية

قلم العميد الركن: محمد بن عوض السرحاني

تطور العقيدة العسكرية الاسرائيلية P054_01_01

إسرائيليين على دبابة

تعتبر العلوم العسكرية أحد أفرع العلوم الإنسانية غير الطبيعية ولذا فمن المؤكد أن تكون لها اصطلاحاتها المهنية المتعارف عليها والمتفق عليها ومنها كلمة العقيدة العسكرية وتعريفها ببساطة (مجموعة المبادئ والمفاهيم المتخذة كدليل أو تعاليم لبناء واستخدام القوات المسلحة). والهدف من العقيدة العسكرية ببساطة أيضا (دعم الاستراتيجية الوطنية لتحقيق أهدافها).
إن العقيدة العسكرية كائن مستمر يجب تغذيتها بالتجربة، وتكييفها حسب متطلباتنا وقدراتنا لضمان الإحساس الدقيق بالحقيقة سواءً في تنظيم القوات المسلحة أو نوعية تسليحها أو مصادر تهديدها... كل ذلك يخضع إلى عملية مراجعة وتقييم استراتيجي يشارك فيه مختصون من المستويين السياسي والعسكري لاستنتاج الدروس ومن ثم المتطلبات الرئيسية لصياغة الأهداف المبنية على أسس واضحة وجلية يعتمد في تكوينها على تجارب الماضي وتوقعات المستقبل، لتكون هي القاعدة لتحضير الخطط العسكرية بعيدة عن التنظير والفلسفة المعقدة.
منذ قيام إسرائيل وحتى الآن ركزت جهودها في بناء جيش صغير سريع الحركة ذراعه طويلة مدعم بالتكنولوجيا العالية ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات الفعالة. ولذا فإنه ليس من المنطق وتسلسل الإعداد السليم أن تظهر العقيدة العسكرية بدون أن ترتكز على استراتيجية عسكرية تزيد في تعريفها إضافة لتعريف العقيدة السابق (أن تلك الأهداف تتحقق عن طريق القوة أو التهديد باستخدامها) وهذا ما طبقته إسرائيل في رسم وتوضيح الاستراتيجية العسكرية التي ترتكز على (الردع والتفوق ونقل المعركة إلى أرض العدو). وبما لا يدع مجالاً للشك فإن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في مواجهة العرب كانت تأخذ في اعتباراتها العلاقات الاستراتيجية المتميزة مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، وهذا ما يمنحها ضمانة أمنية وقوة ردع استراتيجية.
ولضمان فعالية هذه الاستراتيجية العسكرية وزيادة كفاءتها فإنه لا بد من معرفة (العدو المحتمل) ومصادر التهديد، للعمل على تلافيه، وتحديث هذه المعرفة باستمرار والعمل على تطوير العقيدة العسكرية حسب مصادر التهديد كعمل مستمر ضماناً للأمن الوطني. ومن هذا المنطلق فقد كانت مصادر التهديد التقليدية لإسرائيل في العقدين الأولين لقيامها تقتصر على الجيوش والأسلحة التقليدية العربية ثم أضيفت لها أعمال المقاومة الفلسطينية التي نشطت بشكل منظم اعتباراً من (1-6-1960م) .
ثم مع بداية الثمانينات أصبح هناك مصدر تهديد قوي وهو محاولة بعض الدول العربية والإسلامية تصنيع وامتلاك الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل مع ما تتطلبه من وسائل لضرب إسرائيل وهذا التهديد سيؤدي حتماًً إلى إيجاد آلية الردع المتبادل معها.
ثم ظهرت التهديدات المتنامية وتتمثل في المقاومة الفلسطينية المسلحة والحرب الدولية ضد الإرهاب، خصوصاً أن فرص الحصول على أسلحة نووية أو بيولوجية تكتيكية باتت إمكانية محتملة.
ومع تراجع مصادر التهديد التقليدية ضد إسرائيل إلا أن مصادر التهديد غير التقليدية أصبحت فاعلة بامتلاك أغلب الدول العربية للصواريخ البعيدة المدى كوسائل حمل لمواد تقليدية أو غير تقليدية وامتلاك دولة إسلامية للقنابل النووية وسعي بعض الدول العربية لامتلاكها... ولكون العقيدة العسكرية الاسرائيليه تخضع للدراسة والتقييم والتطوير مع كل تهديد يظهر فقد أجريت دراسات جديدة ومكثفة للمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية، خاصة في مجال التسليح والتكنولوجيا والحرب الدولية ضد الإرهاب والتجربة العسكرية الأمريكية لاحتلال العراق والانتفاضة والمقاومة في الداخل وحرب لبنان الأخيرة...
وقد خلصت هذه الدراسات ونتائج التقييم للعقيدة العسكرية الإسرائيلية إلى تحديد المتطلبات الرئيسية التالية:
01 إعادة تدريب وتأهيل القوات المسلحة الإسرائيلية لاستيعاب الأسلحة والبرامج التدريبية الحديثة ومتابعتها بكل جدية.
02 تقليص حجم القوات البرية والاستفادة القصوى من التكنولوجيا في مجال التسليح لضمان كثافة نيران عالية بدلاً من الكثافة البشرية 0
03 تغذية وتطوير القدرات القتالية وأسلحة الردع خاصة في مجال الطيران والصواريخ ومراكز القيادة والسيطرة والإنذار المبكر0
04 القضاء على المقاومة الفلسطينية التي شكلت عامل إرهاق واستنزاف للجيش الإسرائيلي داخل إسرائيل مما زعزع معنوياته 0
05 القلق الكبير من حصول الدول العربية على صواريخ أرض أرض قد تحمل أسلحة كيماوية والقادرة على ضرب إسرائيل في العمق وإمكانية الحصول على الأسلحة النووية مستقبلاً0
06 الارتياح لدى المخططين الاستراتيجيين للاستراتيجية العسكرية لخروج العراق من مصادر التهديد0
07 المتابعة المستمرة للمفاوضات الجارية مع إيران وباكستان وكوريا الشمالية وسوريا والعمل على مواصلة التحريض من الولايات المتحدة الأمريكية لإجبار هذه الدول على التخلي عما في ترساناتها من أسلحة غير تقليدية0
08 المحافظة على تصنيع وتصدير الأسلحة خدمة لميزانية القوات المسلحة الإسرائيلية لضمان استمرار الدعم، مع العلم أن إسرائيل تعتبر خامس أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم0
الخاتمة:
تسعى إسرائيل بشكل مستمر إلى المحافظة على التفوق العسكري على مجموع الدول العربية، خاصة في مجال الأسلحة غير التقليدية، بدعمها المتواصل لترسانتها العسكرية، وإيجاد الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، الذي يعتمد بشكل متطور على أحدث التقنيات في مجال تصنيع الأسلحة، وربط كل ذلك مع الدروس المستفادة للمراجعة الدورية للعقيدة العسكرية الإسرائيلية والعوامل المؤثرة عليها (العامل البشري، العامل الجغرافي، العامل الاقتصادي، البيئة الاستراتيجية، والتهديدات)، كما تسعى إلى إضعاف قدرات الدول العربية في مجال التسليح، والعمل على حرمانها من امتلاك الأسلحة غير التقليدية بكل الطرق لضمان تفوقها في التسليح والإدارة والمبادرة والردع الأحادي الجانب... كل ذلك بإنشاء تنظيمات إدارية للبحث والتطوير في هذا الجانب لتستمر العقيدة العسكرية، باعتبارها كائناً حياً متطوراً، قادرة على مواجهة كل التهديدات، دعما للاستراتيجية الوطنية لتحقيق أهدافها، عن طريق القوة المتطورة باستمرار أو التهديد باستخدامها.