لم يعد بإمكاننا ، حكومة وشعبا ، أن نستمر في دفن رؤوسنا تحت رمال اللامبالاة أزاء ما يشهده مجتمعنا الأردني من ظواهر ومظاهر العنف ، في الأسرة وفي الوظيفة وفي السوق وفي المدرسة وفي الجامعة وفي الملاعب وفي المقاهي وفي الملاهي .. إلخ ، علينا أن نعترف ، حكومة وشعبا ، أننا نواجه مشكلة تكاد تتحول إلى معضلة إذا لم يتعاون الجميع على حلها قبل أن فوات الأوان ، علينا أن ندرس ما الذي أعاد مدارسنا وجامعاتنا وملاعبنا وأسواقنا إلى ساحات تستحضر ذكريات جاهلية داحس والغبراء والبسوس ، حرام والله أن نسيىء إلى عشائرنا ، ماذا نقول لأجدادنا من شيوخ عشائر بني صخر الذين صرخوا في وجوه الإنجليز والفرنسيين قبل تسعين عاما : " إننا سنقاوم كلَّ اعتداء على قوميتنا وكلَّ تلاعب بشؤون بلادنا ، ولا نرهب من أية قوة وسننازلها في ميادين القتال "، كما يورد كتاب ( الفكر السياسي في الأردن ) للأستاذ الدكتور علي محافظة تعبيرا عن رفضهم لاتفاقية سايسكس ـ بيكو التي شرذمت البلاد العربية ، ما الذي سنقوله لشيوخ البلقاء الذي صرخوا في وجوه الإنجليز والفرنسيين : " نحن قوم لا نصبر على ضيم وسنصون استقلالنا بأموالنا ودمائنا وأولادنا ولو فنينا عن آخرنا ، وسنمسح أحرفَ إتفاقيتكم الجائرة بدمائنا العربية ، وعلى هذه النيـَّـة أقسمنا الأيمان المغلظة " ، كما يورد الأستاذ الدكتور علي محافظة الذي يذكر أن المذكرة حملت تواقيع الشيوخ صالح الفايز/ بني صخر ، وسالم سليمان أبو الغنم ، ومشهور الفايز / بني صخر ، ومثقال سطام الفايز / بني صخر ، ونمر الحمود العربيات ، وكريم النهار العبَّـادي ، وصايل الشهوان العجارمة ، ماذا نقول لشيوخ بني حسن الذين لم يتأخروا عن المشاركة في أي مؤتمر عربي لنصرة قضايا العرب كما يشير كتاب) القيادات والمؤسَّسات السياسية في فلسطين 1917-1948 ) لمؤلفته الباحثة بيان نويهض الحوت إلى أن عددا من شيوخ عشائر بني حسن في الأردن شاركوا في المؤتمر الإسلامي للدفاع عن المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة الذي انعقد في 5/11/1928م ، وهؤلاء الشيوخ هم الشيخ نواش العبد أبو دلبوح والشيخ محمد الكايد أخو رشيده والشيخ شهوان بن دغمى ، ماذا نقول لشيوخ إربد وجوارها الذين عمدوا قبل 75 عاما إلى تشكيل لجنة أطلقوا عليها إسم اللجنة الوطنية الفرعية في إربد لدعم الشعب الفلسطيني ، وكان لهذه اللجنة دورٌ في تأمين المال والسلاح لثوَّار فلسطين ، ماذا نقول للشيخ حسين الطراونة وإخوانه في اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني الذين أصدروا في 2/6/1934 م بيانا يحمل تحذيرا لأهالي شرق الأردن من المحاولات الصهيونية لشراء الأرضي في الإمارة ، ماذا نقول لكل عشائرنا الذين هبـُّـوا قبل 82 عاما ( 8 / 3 / 1928 م ) في مظاهرات عمـَّـت الإمارة الأردنية مطالبة بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية ، ماذا نقول لفرسان الحويطات الذين يذكر المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّـاغ في كتابه ( بلادنا فلسطين ــ جزء 8 /قسم 2 ) أن مجموعة من مجاهدي الحويطات يقودهم الشيخ هارون بن جازي أبلوا بلاءًا حسنا في معارك باب الواد التي كانت من أهم المعارك التي جرت دفاعا عن القدس الشريف ( أيار 1948م) جنبا إلى جنب مع أبطال الجيش العربي الأردني ، ماذا نقول للشيخ نمر العريـِّـق العبادي الذي صرخ في وجه لجنة كينغ ـ غرين قبل 90 عاما : " : " إننا مستعدون لفداء إستقلالنا بأرواحنا ، وسننتزع إستقلالنا بسيوفنا " ، كما يذكر الوزير / العين السابق الأستاذ أكرم زعيتر في كتابه ( وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية ) (ص 30) ، ماذا نقول للضابط البرحاوي الشاب نجيب السعد البطاينة الذي ضحَّى بدمه دفاعا عن عروبة ليبيا عندما التحق بعمرالمختار ورافقه في معظم معاركه ضد المستعمرين الطليان ، وما زال يتنقل من معركة إلى معركة مع إخوانه المجاهدين الليبيين حتى أكرمه الله بالشهادة التي قطع آلاف الأميال ليدركها ، وليضمِّخ بدمه الزكي أرض ليبيا العربية ، وليصبح قبره الذي كتب عليه إخوانه الليبيون (هنا يرقد الشهيد نجيب الحوراني) معلماً يروي على مرِّ العصور قصة عشق الشرق أردنيين ووفائهم لعروبتهم ، ماذا نقول لشيوخ عشائر جبل عجلون الذين تقدَّموا مظاهرة كبيرة في 2 / 11 / 1919 م احتجاجا على المؤامرة البريطانية الفرنسية لتقسيم البلاد السورية كما يذكر كتاب ( الأردنيون والقضايا الوطنية ) لمؤلفه الدكتور محمد عبد القادر ، ماذا نقول لشيوخ عشائر الكرك الذين تقدَّموا مظاهرة في 7 / 11 / 1919 ضدَّ اتفاقية سايكس ـ بيكو التي شرذمت البلاد العربية ، ماذا نقول للشيخين مثقال الفايز وسعيد خير اللذين ترأسا قبل 90 عاما لجنتين شعبيتين لدعم المقاومة السورية ضد المحتلين الفرنسيين ، كما يروي كتاب ( الأردنيون والقضايا القومية والوطنية ) لمؤلفه الدكتور محمد عبد القادر خريسات ، ماذا نقول لشيوخ عشائر الأردن الذين ذهبوا إلى دمشق قبل 90 عاما ( 4 / 12 / 1919 م ) في صلحة عشائرية فقلبوها إلى مؤتمر وطني لرفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، كما يذكر كتاب ( الأردنيون والقضايا القومية والوطنية ) للدكتور محمد عبد القادر خريسات .؟ . ؟ .؟
أحسبكم تسألونني ماذا أقصد من هذا السرد التاريخي لمواقف عشائرنا الأردنية المجيدة ، باختصار شديد ، وخير الكلام ما قلَّ ودلَّ ، أقصد أن أقول أن أجدادنا كانت تشغلهم قضايا أمتهم عن الصغائر ، فلما أبعدنا شباب عشائرنا بأوامر أمريكية عن قضايا أمتهم انشغلوا بالصغائر .
وأتساءل : لو قام أجدادنا من قبورهم ورأوا ما يفعل أحفادهم ماذا عساهم يقولون .؟ ، أحسب أنهم سيصرخون في وجوه أحفادهم : لا ، نحن لسنا أجدادكم ، أنتم أحفاد عرب الداحس والغبراء والبسوس .