تطوير الطائرات الروسية الموضوعة في الخدمة وأجيال الطائرات الجديدة
تتفق الآراء والدراسات على أن روسيا ورثت أعباء تركة ثقيلة من الأسلحة عن الاتحاد السوفييتي السابق، وبعد سنوات من هذه الوراثة كانت الأسلحة في روسيا قد تحولت إلى ترسانات من الخردة، وما كان منذ سنوات قليلة يرعب الغرب ويؤرقه تحول إلى مزيج عجيب من العطالة والفوضى.
ولكن هذا الوضع بقي في الحيز النظري، بينما في الحسابات الغربية والأمريكية بقيت روسيا الدولة المنافسة للغرب في تصنيع وبيع الأسلحة إلى الخارج بلا قيود، وبصرف النظر عن الطرف المستورد، بل إن الأزمات الاقتصادية التي عصفت ومازالت تعصف بروسيا دفعتها إلى إعادة إثبات وجودها في سوق السلاح العالمي، وإلى تطوير أنماط هذا الوجود على الساحة الدولية، وكذلك أساليب عملها وتعاملها مع كافة الأطراف من منطلق رؤية سياسية واقتصادية جديدة سعياً وراء تدبير عملاء جدد يشترون أنظمة الأسلحة الروسية، أو إعادة اجتذاب العملاء السابقين.
ضمن هذه الظاهرة تكثفت البرامج العسكرية الروسية في السنوات الأخيرة لوضع المقاتلات الروسية مجدداً في مصاف المنافسة مع المقاتلات الأمريكية والغربية، وهو ما صار يقلق الولايات المتحدة الأمريكية التي تأكد لها أن روسيا قد استردت فعلاً أنفاسها في مجال تطوير الطائرات، وخطورة هذا الاسترداد للأنفاس يكمن في أن الطائرات التي يتم تطويرها لم يعد وجودها محصوراً في روسيا، بل صار مشاعاً لأية دولة تدفع، وما تطلبه روسيا ثمناً لطائراتها أقل بكثير مما تطلبه الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن روسيا عادت منافساً قوياً في مجال الصناعة العسكرية عموماً، وصناعة الطائرات بشكل خاص، وما أعمال وخطط التطوير على الطائرات الروسية الشهيرة إلا جزء من منافسة واسعة في سوق السلاح في العالم باشرت روسيا بتنفيذها.
تطوير المقاتلة ميج
من المعروف أن الطائرة "ميج" MIG - 21 - FISH - BED حققت شهرة كبيرة في زمن الاتحاد السوفييتي، ولا يزال عدد كبير من هذه الطائرات موجودة في الخدمة في دول حلف وارسو السابق وفي الهند والصين وبعض دول الشرق الأوسط، حيث يوجد تقريباً 300 طائرة منها، ومنذ عام 1995م باشرت روسيا أعمال تحديث طائرات الميج هذه بشكل يجعلها تستفيد من استخدام نظام استقبال الإنذارات الرادارية لتعزيز عمل صواريخها المضادة للإشعاع من طراز AS-12 و AS17 وقد حملت الطائرة بعد التطوير اسم MIG-23-93.
هذا التحديث لطائرات الميج كان من أوائل زبائنه سلاح الجو الهندي، فالهند لديها مشروع وطني لإنتاج طائرات حربية خفيفة، وهي بانتظار استكمال ملامح مشروعها بحاجة إلى إطالة أمد طائرات الميج الموجودة لديها، وقد لبت روسيا هذه الحاجة وباشرت بأعمال التحديث المطلوبة على طائرات الميج في سلاح الجو الهندي من طراز MIG-21 وصار اسمها بعد التحديث MIMIG-29، بما في ذلك الرادار متعدد المهمات الذي يمكنه تتبع ثمانية أهداف في وقت واحد والاشتباك مع اثنين منها.
كما أسست الهند وروسيا بالمشاركة شركة لتصنيع قطع الغيار للطائرات الحربية الروسية الموجودة في الخدمة في جميع أنحاء العالم، وتعمل الشركة منذ تأسيسها في عام 1996م على تحديث سلسلة من المقاتلات الهندية من طراز ميج وذلك بتجهيزها بنظم أسلحة جديدة ونظم ملاحية ورادارات متطورة، كما تقوم الشركة بتحديث 17 طائرة MIG-27 في منطقة بهندوستان، وحالياً تقوم روسيا بتحديث الطائرة MIG-23 وMIG-25 في عدة دول من بينها جمهورية التشيك حيث أنهت روسيا تحديث الطائرات التي يملكها سلاح الجو من طراز MIG-21-FM وتضمن التحديث تزويدها بالكترونيات وأنظمة فرعية ومستشعرات متطورة وقدرات للعمل الليلي في الظروف المختلفة مع تطوير كابينة القيادة.
ومن الملاحظ أن روسيا ركزت جهودها على تطوير الرادارات في المقاتلات الروسية، وقد شمل تحديث المقاتلات من طراز "ميج" تحديث الرادارات فيها بشكل رئيسي، ومن المعروف أن روسيا تعتبر رائدة صناعة أجهزة الرادار الخاصة بالمقاتلات، ومنها الرادار المستخدم مع الطائرة "ميج 31" SB1-16 الذي يعمل بتكنولوجيا المسح الإلكتروني السلبي، وفيه يتم توجيه الشعاع إلكترونياً، ويستخدم الهوائي مصفوفات أفقية وراسية قليلة التكاليف.
كما قامت شركة روسية بتطوير هوائي مسح إلكتروني في الحيز الترددي 1-1-J-BAND "لرادار الطائرة سوخوي 30" و"سوخوي 35" وبإمكانية هذا الرادار عمل مسح في حدود 60 درجة في كل من المستوين الأفقي والعامودي بالإضافة إلى إمكانية الكشف عن الأهداف المقتربة في مدى أقصاه 165 كيلومتر، وبالنسبة للأهداف المتعددة ينخفض المدى حتى 60 كيلومتراً، وقد أطلق على هذا الرادار اسم ZHUK-PH ومن أهم خصائصه إمكانية إجراء المسح ل 24 هدفاً في وقت واحد ومع تتبع 8 أهداف آلياً.
وتقوم شركات روسية أيضاً بتطوير رادار الطائرة "ميج 21" باستخدام معالج إشارات وبيانات ذي سرعة عالية، وذلك من خلال التعاون مع شركات فرنسية.
ومن أحدث الطائرات الروسية المطورة المقاتلة MIG-31، وهي طائرة مقاتلة اعتراضية بعيدة المدى، بدأ تصميمها في عام 1979م وتم إنتاج 200 طائرة منها، ثم طُورت للإحلال بدلاً من الطائرة MIG-25، ومن مواصفاتها أنها قادرة على حمل 5.12 طناً من الوقود في خزاناتها الأساسية، بالإضافة إلي 5.2 طناً من الوقود في خزان إضافي واحد، كذلك هي مجهزة للتزود بالوقود في الجو، ولها محركان يجعلان سرعتها تصل إلى 83.2 ماخ، وتشتمل أجهزة الاستشعار على الطائرة جهاز رادار يعمل بالأشعة تحت الحمراء للبحث والتتبع.
أما تسليح المقاتلة "ميج - 31" فيشتمل على صواريخ جو-جو طويلة المدى، يتم تحميل أربعة منها في توزيع شبه متجانس تحت جسم الطائرة بالإضافة إلي صاروخين طراز AA-8 ومدفع عيار 23 مم مزود ب 260 طلقة.
وكانت القيادة العسكرية الروسية قد أعلنت في عام 1996م أنها تقوم بتصنيع أحدث طائرة قتال من طراز "ميج" للعمل في القوات الجوية الروسية هي الطائرة (MIG-35-T-F) "ميج 35 ترست فيكتورينج"، وكان من المقرر أن تبدأ هذه الطائرة طيرانها في عام 1998م، ولم تظهر معلومات حول إن كانت قد وضعت في الخدمة أم لا، ولكن حسب المصادر الروسية فإن (ميج - 35) تجمع العديد من التقنيات المتطورة لمقاتلات الجيل الخامس، بما فيها تقنية التخفي، وتعد أحد المشتقات المعززة من الطائرة الروسية الحديثة (ميج 29 م) التي عرفت باسم (ميج 23) إلا أنها تختلف عنها في أنها أثقل وزناً وذات أجنحة أطول ومحرك أحدث، وتحمل 1500 كغ إضافية من الوقود مما يضاعف من مداها ليصل إلى حوالي 2860 كيلومتراً، والطائرة الجديدة مصممة لتكون ذات قدرة على اكتشاف الهدف والاشتباك مع ثمانية أهداف في وقت واحد.
تحديث المقاتلة سوخوي
من الصفات الكثيرة للمقاتلة الروسية سوخوي إمكانية إعادة تزويدها بالوقود في الجو مما يعطيها زيادة في المدى ومدة بقاء أطول في الجو، وقد بقيت السمعة الطيبة للمقاتلة سوخوي في العالم حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهذا ما جعل الهند تحصل في عام 1999م على المقاتلة "سوخوي 30" وهي نسخة معدلة ومطورة عن "سوخوي 27"، وميزاتها القتالية تعادل باتفاق خبراء التسليح ميزات الطائرة الأمريكية "ف 16" والطائرة "ميراج 2000"، وقد طرحت روسيا مؤخراً الطائرة "سوخوي 34" والتي تعتبر من أحدث المقاتلات الأرضية، وخاصة في مجال قتال الدبابات.
تتفوق "سوخوي 34" على كثير من الطائرات المماثلة لها من حيث القدرات والخصائص القتالية، وهي مزودة بنظام رؤية ليلي مركب في مقدمة الطائرة، ويصل عمله إلى أكثر من 51 كيلومتراً، وتحتوي غرفة القيادة على شاشة تلفزيونية لنقل المعلومات الفورية التي يحصل عليها الرادار، كما أنها مزودة بنظام تتبع واختبار الأهداف ذي مدى عمل يصل إلى 8 كيلومترات، وبها مستودعان للإعاقة أعلى منطقة وضع المحركات يحتوي كل منهما على 96 خرطوشة مشاعل حرارية و96 خرطوشة رقائق معدنية، كما أنها مزودة بنظام إلكتروني ونظم ملاحية ورادارات متطورة ومقدر مسافات وجهاز ليزر للعمل مع الصواريخ المضادة للدبابات الموجهة بالليزر، وقد أدت هذه النظم إلى زيادة مدى عمل الطائرة وإمكانات القتال الليلي ودقة إصابة الهدف، كما يمكن تحميل الطائرة ببعض أنواع التسليح الموجهة مثل الصاروخ الموجه ضد الإشعاع الراداري as-1 والصاروخ الموجه تلفزيونياً as-13 وكذلك حمل 16 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز "سبيرل" الموجه بأشعة الليزر.
وكانت وكالة الأنباء الروسية قد أعلنت عن تصنيعها للطائرة (سوخوي 37 بيركوت) وطرحها للبيع في عام 1998م، إلا أن الشركة الروسية المصنعة للطائرة أعلنت في منتصف شهر ديسمبر 1998م أن الطائرة غير جاهزة لدخول الخدمة، فبعد إجراء التجارب عليها تبين أنها مازالت بحاجة إلى بعض الوقت لتصبح جاهزة لدخول الخدمة، كما أن الطلعات الاختبارية للطائرة أظهرت أنها تحتاج إلى تغييرات في التصميم تتضمن الحاجة إلى زيادة منطقة سطح ذيل الطائرة، كما أنها تفتقر إلى المحركات المناسبة وبعض إليكترونيات الطيران، ومعالم أخرى ضرورية لتحقيق الطاقة الكاملة لها، وهذا يوضح حرص روسيا على أن تستعيد سمعتها بشأن تكامل طائراتها المقاتلة، وخاصة الطائرة سوخوي 37 التي يتميز انحراف أجنحتها إلى الأمام، علماً أنه لا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية طائرة ذات أجنحة منحرفة إلى الأمام سوى نموذج الطائرة (X-29) والتي يؤكد الخبراء الروس أنها بحاجة إلى عشر سنوات للحاق بالمقاتلة الروسية الجديدة التي يؤكد الروس بأنها مقاتلة الألفية الثالثة بدون منازع.
تطوير الحوامات الروسية
توضح الإحصاءات الروسية مدى الانخفاض الكبير في إنتاج طائرات الهليوكوبتر في روسيا، ففي عام 1988م أنتجت الصناعة العسكرية الروسية (300) طائرة هليوكوبتر مقاتلة، وفي عام 1989م أنتجت (225) حوامة مقاتلة، وانخفض العدد إلى (175) في عام 1990م. واستمر الانخفاض طوال العقد الأخير من القرن العشرين عاكساً حالة الانهيار التي تعيشها روسيا في المجال الصناعي بشكل عام والصناعات العسكرية بشكل خاص، ولكن نلاحظ أن عدد الحوامات القتالية المنتجة حافظ على رقم واحد تقريباً منذ عام 1996م وهو (120) حوامة سنوياً، ومع بداية عام 2000 بدأ يرتفع بشكل مقبول حيث وصل العدد إلى 215 حوامة في عام 2001م، وهو مؤشر على أن روسيا العريقة في صناعة الحوامات القتالية المتطورة بدأت أيضاً تسترد أنفاسها في مجال صناعة وتطوير الحوامات القتالية.
وفي الواقع فإن روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وإزاء المصاعب الكثيرة التي تعيشها الصناعات العسكرية فيها اتجهت منذ عام 1990م نحو تحديث وتطوير الحوامات القتالية الروسية الموجودة في العديد من دول العالم، ومنها دول في الشرق الأوسط، وبعد عام 1995م عادت روسيا لإنتاج حواماتها القتالية المعروفة، ومنها الحوامة متعددة المهام KA32 والمعروفة لدى الغرب باسم "هاليكس" وقد عرضت روسيا هذه الحوامة في المعارض الدولية منذ عام 1996م معلنة بيعها لمن يريد.
من المواصفات المعروفة لهذه الحوامة أنها مزودة بمحركين نفاثين لكل منهما قدرة دفع تصل إلى (2225) حصاناً، وليس لها مروحة ذيل، إنما تعتمد على وجود مروحتين رأسيتين تدور كل منهما عكس الأخرى بما يحقق الاتزان للطائرة أثناء الطيران ويكون بديلاً لمروحة الذيل، ويصل طول الحوامة إلى 3.11 متراً، وأقصى حمولة خارجية معلقة تبلغ (5) أطان. ومن الحوامات الروسية الشهرية الحوامة MI-28 وقد قامت روسيا بتطويرها مؤخراً لتستخدم في القتال ضد الدبابات وتجمعات الأفراد وذلك نظراً لقدرتها على حمل تسليح يشمل مدفع 30 ملم و16 صاروخ م-د موجهة بأشعة الليزر، وصواريخ توفر الحماية الذاتية للطائرة، ويبلغ أقصى وزن للطائرة حوالي 5.11 طن، وأقصى سرعة لها 300 كم-ساعة، وارتفاع العمل 5.8 كم، ومدى العمل فيها يبلغ 260 كم، ولهذه الطائرة قدرة عالية على المناورة بالإضافة إلى أدائها وإمكانية حمل نوعيات تسليح مختلفة ومتطورة لتنفيذ مهام الدعم الجوي المحدود للقوات البرية.
طائرات النقل
نظراً لاتساع مساحة الاتحاد السوفييتي سابقاً انصبت الجهود السوفييتية في الحرب العالمية الثانية باتجاه تصنيع طائرات نقل جوي عملاقة، ومنذ أيام تلك الحرب والاتحاد السوفييتي له شهرة في مجال هذا النوع من الطائرات، ولكنه طوال أيام الحرب الباردة كان شحيحاً في بيعها للخارج، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تبين أنه كان قد توقف عند حدود التسعينيات في مجال تطوير طائرات النقل الجوي، وأن دول حلف شمال الأطلسي قد تجاوزت طائراته بأجيال جديدة، ومع ذلك بقيت طائرات النقل الروسية مرغوبة أكثر نظراً لرخص سعرها قياساً للطائرات الأمريكية والغربية، وهو ما جعل الدول التي كانت قد حصلت على طائرات نقل سوفييتية في السابق تطالب روسيا بالعمل على تحسينها وتطويرها، وفعلاً قام خبراء الروس بأعمال التحسين والتجديد والتطوير لعدد غير معروف من طائرات النقل الموجودة في العالم، ولم تعلن تفاصيل هذه التحسينات، ولكنها شملت طائرات النقل الجوي من طراز an-10 و an-12 و an-26 و al-18 المستعملة في عدة دول.
وبعد أن استردت روسيا أنفاسها في مجال صناعة الطائرات الحربية طورت طرازات جديدة من طائرات النقل الجوي، منها الطائرات an124 و an-32 وقد طورت شركات روسية الطائرة an-225 لتصبح ذات ستة محركات بدلاً من الطائرة المستخدمة عالمياً ذات المحركات الأربعة، وبالتالي صارت هذه الطائرة وتحمل اسم an-124 طائرة نقل عملاقة لأحمال داخلية وخارجية تصل إلى 250 طناً، وقد تقدمت عدة دول بطلبات لشرائها مما جعل روسيا تفكر بإنتاج طائرة نقل أكبر هي الطائرة "موليينا 1000"، ولم تكتمل بشكل نهائي المعلومات حول هذه الطائرة العملاقة التي ستكون طائرة جديدة من حيث الشكل والتصميم.
وفي هذا المجال أعلنت شركة (مياسيشيف) الروسية بأنها تجري أبحاثاً جادة على نموذج طائرة عملاقة لا يمكن أن تنافسها أية طائرة أمريكية أو أوروبية، وستحمل اسم "شمشون" M-90-Samson وستحملها 19 حاملة رباعية العجل بحيث تعتمد الطائرة على 67 عجلة، والجدير ذكره أن صناعة الطائرات الروسية تمكنت من تصميم نظام جديد للصواريخ جو-جو يتم خلاله إطلاق الصواريخ من مؤخرة الطائرة، ويعتبر هذا النظام الجديد ذو فائدة كبيرة لحماية طائرات النقل العملاقة، حيث لن تصبح في حاجة إلى طائرات مرافقة لحمايتها.
عودة المنافس الأقوى
مما سبق نستنتج أن روسيا بعد أن استردت أنفاسها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عادت إلى مصاف الدول الكبرى في صناعة وتجارة الطائرات القتالية، وهو ما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية ويجعلها تعيد حساباتها في هذه التجارة بعد عودة روسيا إلى الساحة، وثمة أسباب كثيرة تجعل الاعتقاد قوياً بأن روسيا تمتلك عوامل حالية ومستقبلية تعيدها كثاني أكبر دولة في تجارة الطائرات المقاتلة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بل ربما الدولة الأولى، ومن هذه العوامل نذكر:
1 بعد سنوات من الانهيار والتدهور الصناعي والاقتصادي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وجدت روسيا أن صناعة الأسلحة وتجارتها تضمن دخلاً مرتفعاً للخزينة الروسية يتجاوز ما تحققه الصناعات الأخرى من أرباح، ومع تزايد أهمية الطائرات القتالية في الحروب الحديثة تتزايد احتياجات الدول للمقاتلات الجوية، وهذا يعني رواجاً مضموناً للمقاتلات الروسية في الأسواق العالمية، خاصة أن الطائرات الروسية أرخص ثمناً من الطائرات الأمريكية والفرنسية وغيرها، وهو ما سيجعل روسيا تنشط بشكل كبير في صناعة الطائرات المقاتلة وبيعها، وهو ما يفسر على سبيل المثال مقاومة موسكو كل أنواع الضغوط الأمريكية لإيقاف عقود الطائرات التي تم إبرامها مع طهران والهند ودول أخرى تعتبر مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية.
2 هناك دول كثيرة ما زالت تستعمل الطائرات التي اشترتها سابقاً من الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، وبسبب اتجاه الدول إلى تخفيض نفقات التسليح تميل هذه الدول إلى تحسين وتطوير وتجديد الطائرات الروسية التي تمتلكها بدلاً من شراء طائرات جديدة، وروسيا هي القادرة على القيام بهذا التطوير والتحسين، لهذا وضعت روسيا منذ عام 1995م خططاً واسعة لتحسين طائرات القتال بشكل يزيد من قدراتها ويجعلها أقرب لطائرات الجيل الجديد، وبحسب وكالة الأنباء الروسية يعمل الآن خبراء روس في مجال صناعة الطائرات القتالية في أكثر من أربعين دولة لتطوير مقاتلاتها، وهذ سيعني في النهاية تفضيل هذه الدول شراء مقاتلات روسية من الأجيال الجديدة، إذا رغبت بتحديث قواتها الجوية لأن طياريها وفنييها صاروا متلائمين مع المقاتلات روسية الصنع.
3 منذ عام 2001 باشرت القيادة العسكرية الروسية العليا بتنفيذ برامج الإصلاحات العسكرية، وبحيث تستخدم النفقات المخصصة من الميزانية للنظام العسكري على أكمل وجه، وبما يضمن الحصول على المردود الأعلى من القدرة العسكرية الروسية التي حددها الخبراء العسكريون الروس بالقول: "ليست القوة العسكرية بعدد الحراب وإنما بالقدرة العسكرية القتالية، ومما سيعني تخفيض عدد العاملين في القوات المسلحة الروسية، وسيطال التخفيض القوات الجوية خلال عامي 2002 2003 بحيث يتم الاستغناء عن خدمات أربعين ألف عسكري وضابط، وهذا سيعني أيضاً تخفيض عدد الطائرات العاملة في القوات الجوية إلى النصف تقريباً، وسيتم تبعاً لذلك استبعاد أعداد كبيرة من الطائرات العاملة في القوات الروسية واستبدالها بطائرات متعددة المهام، وقد أدرج الروس الطائرة SU-27m و الطائرة SU-27nb ضمن الطائرات متعددة المهام بدءاً من عام 1995م، وتمت إضافة الطائرة T60s فيما بعد، وهذا ما سيجعل (25000) طائرة قتال محددة المهام كان الاتحاد السوفييتي يحتفظ بها في الاحتياطي الاستراتيجي غير لازمة، وسيضع روسيا في مهمة تطوير وبيع أعداد كبيرة من هذه الطائرات، وسيشكل أيضاً فرصة لكثير من دول العالم للحصول على هذه الطائرات، ومع كساد السوق العالمية وتراجع مبيعات الطائرات القتالية ستستمر روسيا بتخفيض أسعار مبيعاتها مع تقديم تسهيلات أكبر في الدفع والإمداد بقطع الغيار وغير ذلك من التسهيلات الممكنة، وهو بالتأكيد على حساب الطائرات الأمريكية والغربية في السوق العالمية للطائرات القتالية.
النتيجة
تحديث وتطوير وتجديد للطائرات المستخدمة في العالم، وتصنيع لأجيال جديدة من الطائرات المقاتلة، وطرح كميات كبيرة من الطائرات في السوق العالمية بأسعار رخيصة مع تسهيلات في الدفع، تلك هي ملامح عودة روسيا إلى صناعة الطائرات المقاتلة، ولتصبح مجدداً المنافس الأقوى للولايات المتحدة الأمريكية في سوق الطائرات الدولي، والأكثر مدعاة للقلق بالتأكيد