في مثل هذا اليوم، التاسع من أبريل عام 1948 ، جرت أبشع مذبحة عرفتها البشرية في العصر الحديث ، وهي مذبحة دير ياسين ، قرية وادعة قرب القدس ، اقتحمها الصهاينة الجبناء وهي نائمة الساعة الثالثة فجرا ، وارتكبوا فيها مجزرة ؛ لم يتركوا فنا من فنون الإجرام السادي، الا وطبقوه على سكانها ، والذين كانوا يقدرون ما بين سبعمائة وخمسين الى ألف نسمة، ولم يكن فيها سوى حامية قليلة العدد ، قليلة التسليح ، إلا إنها قاومت الموت حتى آخر رصاصة ، فقد كان اغلب رجالها ؛ إما في معركة "القسطل " ؛ وإما في القدس لتشييع جنازة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني ، وهكذا أستغل السفاحون الظرف.
كانت دير ياسين وحدها في تلك الجمعة الدامية بأطفالها ونسائها وشيوخها أمام الصهيونية بتلمودها و بأسفارها الدموية وببربريتها و بوحشيتها وبساديتها .. و بخدمها وعبيدها من الغرب والعرب بالتأكيد .
ورغم إستغلال الظرف الا أن المذبحة لم تكن عفوية ؛ بل كان مخططا لها على أعلى المستويات ومنذ زمن ، لبث الرعب بين أبناء الشعب الفلسطيني وإجباره على الرحيل من أرضه ، وقد وضعت عدة قرى لتكن مسرحا لتنفيذ هذا المخطط الرهيب منها قرية عين كارم .
رغم كل ما قيل عن مذبحة دير ياسين ، الا إنه حتى الآن لم يعرف ما الذي جرى تماما فيها ، لم يعرف حجم الجريمة رغم كل ما ظهر فيها من بشاعة ، لم يعرف كم أريق من دماء رغم عطش السفاحين للدم ، لم يعرف حجم الخيانة والمؤامرة رغم الفضائح التي زكمت الأنوف ، الا أن ما عرف هو أن دير ياسين هي أول من فضحت موت الضمير العربي..
حتى الآن لا زالت أرشيفات الصهاينة القتلة ، وأرشيفات بريطانيا المسؤولة عن ما حدث ، ترفض الكشف عن الوثائق الحساسة الخاصة بالمذبحة ، حتى ان رئيس مخابرات الهاجناة في القدس آنذاك "ايتسحاق ليفي" والذي استلم أول تقرير عن المذبحة مع فيلم مصور لها ، حاول ان يعود اليه بعد ثلاثين عاما ، فلم يُسمح له بذلك.
اما تحديد عدد الضحايا فيعد ذلك من المستحيلات على ضوء ما جرى في ساحة الجريمة ، فالقتلة حاولوا منذ الساعات الأولى إخفاء ما استطاعوا إخفاءه من أجساد و أشلاء الشهداء ؛ فرموا بهم في الأودية و في الآبار وأغلقوا عليها بالأسمنت ، وبعضها تم نسفها، ومنها ما صبوا عليها النفط وأحرقوها في محاولة منهم لإخفائها "إبتعدوا عن وضع الجثث في الكهوف لأنها أول ما تتعرض للتفتيش " هكذا يأمر احد السفاحين ، جرحى القسطل والذين قتلوا في المذبحة ولا يعرف سكان دير ياسين عنهم شيئا ، وبعض الشهداء أخرجوا خارج حدود القرية ،غير الذين أخرجوهم أحياء ومن ثم قتلوهم أو أحرقوهم ، لذا يصعب تحديد العدد رغم إجتهاد البعض بتحديده بحسن نية او غيرها ، شهادات القتلة لا يؤخذ بها ، الأرشيف الصهيوني أظهر معلومات مضللة فيما يخص المذبحة ، وسمح للباحثين بالأطلاع عليها لتضليلهم ، اما شهادات "الناجين" من المذبحة فهي الأوثق لكنها محدودة و مسرحها محدود.
تظل شهادة مندوب الصليب الأحمر د.جاك دو رينيه والتي خمن فيها العدد الى ثلاثمائة وستين شهيدا وهو الأقرب للعقل على ضوء ما عرف حتى الآن عن المجزرة ، مع أن الصليب الأحمر الدولي اعترف فيما بعد بإخفاء حقائق حفاظا على ارواح موظفيه ، و جاك دو رينيه نفسه تعرض للتهديد بالقتل من قبل الهاجناه؛ فيما اذا فاه بأمور ما تتعلق بتلك المذبحة .
فماذا عرف حتى الآن؟
بدأ الصهاينة بحرق صبي حيا في بيت النار في مخبز والده ، ثم قتلوا والده ، بعدها بدأوا بنسف بيوت القرية بيتا بيتا ، وما كانوا يعجزون عن نسفه ، يحرقونه على من فيه ، ثم وجه الصهاينة نداء للأهالي بالهروب او الموت ، وصدّق الأهالي وخرجوا يطلبون النجاة ، ولكن السفاحين سارعوا بحصدهم ، ومنهم قاموا بصفهم على حيطان المنازل وقتلوهم ، كما دمروا مسجد القرية ومدرسة الأطفال وقتلوا معلمتهم ، كما عثر على أيادي وآذان وأصابع نساء مقطوعة لتسهيل الأستيلاء على أساورهن وأقراطهن وخواتمهن ، كما بقرت بطون النساء الحوامل ، وكانوا يخرجون الأجنة ثم يقتلونها أمام أعين الأمهات ثم يذبحوهن بعد ذلك ، وكانوا يتراهنون على جنس الجنين قبل بقر بطن أمه ، فما لا يقل عن خمس وعشرين امرأة حامل قتلن في المذبحة ، واكثر من اثنين وخمسين طفلا لم تتجاوز اعمارهم العاشرة قتلوا وقطعت اياديهم وارجلهم ،وكانوا يتعمدون قتل الطفل أمام عيني أمهأو تقطيع أوصاله حيا ومن ثم قتله كما عثر على فتاة مقطوعة الى نصفين ، واخذ احد السفاحين يسمى "روبنسكي" سبعة شباب خارج القرية واجبرهم على حفر حفرة واجبرهم على النزول فيها ثم صب النفط فيها واحرقهم احياء ، ثم امر بدفنهم فيها ، وفي شهادة لأحد سفاحي المذبحة وهو "زفي انكوري"؛ آمر وحدة الهاجناة التي احتلت دير ياسين وردت في صحيفة دافار في 9-4-1982 قال: "دخلت عدة منازل بعد الحادث. و رأيت أشلاء لأعضاء تناسلية وأحشاء نساء مسحوقة. لقد كانت جرائم قتل مدبرة".
كما وتعرضت الفتيات الصغيرات والنساء للأغتصاب ومنهن من قتلن بعد ذلك ، كما تحدث تقرير لجنة تحقيق بريطانية في مذبحة دير ياسين ،عن " ممارسات جنسية مشينة ، قد ارتكبت بحق فتيات فلسطينات صغيرات ، من قبل العصابات الصهيونية ، ومن ثم قاموا بذبحهن " والتقرير يتحدث عن خمس وعشرين طالبة كن متوجهات لمدرستهن الإعدادية ، وقد أعترضهن الصهاينة ؛ حيث تم إغتصابهن ومن ثم ذبحهن ، ثم رموا بجثثهن في أحد الأودية ، وقد أكد هذا السفاحون عام 1989 لأحد المؤرخين الصهاينة ؛ وهو بن فيرد ونشر ذلك في صحيفة هآرتز الصهيونية بتاريخ 7/4/1989.
وذكر نفس التقرير إنه أجريت مقابلات مع نساء وفتيات تعرضن للأغتصاب وأنهن كن في حالة هستيرية ، وكان يغشى على بعضهن أكثر من مرة في المقابلة.
كما وذكرت امرأة تدعى (صفية) لدومنيك لابيري ولاري كولنز ونشراها في كتابهما " آه يا قدس" بأنها تعرضت للأغتصاب ، وإن النساء التي حولها تعرضن للمصير نفسه ، كما وتوجد شهادات للصليب الأحمر تؤيد ذلك.
تقول الحاجة زينب محمد إسماعيل عطية : " حاولت إفتداء أخي بكل ما أملك ، وعرضت 250 ليرة لأحد (الخواجات) استحلفه بالله أن يأخذها ، ولا يقتل أخي الذي كان ما يزال طالبًا في المدرسة، فأخذها مني ثم أطلق عليه خمس رصاصات ، فوقع على الأرض ساجدًا كما لو أنه على هيئة الصلاة".
وتقول : " فقدت والدي وشقيقي موسى وشقيقي محمود وعمي ربحي وجدي الحاج إسماعيل وزوجة والدي سارة وجدتي آمنة وحفيدها، وأما دار زهران فقد قتل محمد زهران وزوجته وبسمة-ابنة عمتي - وأولادها وبناتها ، ورقية وأولادها وبناتها، وعمتي فاطمة وأولادها وبناتها " .
وتقول حليمة عيد " رأيت يهودياً يطلق رصاصة فتصيب عنق زوجة أخي خالدية ، التي كانت موشكة على الوضع ، ثم يشق بطنها بسكين لحام، ولما حاولت إحدى النساء إخراج الطفل من أحشاء الحامل الميتة قتلوها أيضاً ، واسمها عائشة رضوان ".
وفي شهادة اخرى لفتاة تدعى حنة خليل "رأيت يهودياً يستل سكيناً كبيرة ويشق بها من الرأس إلى القدم، جسم جارتنا جميلة حبش ، ثم يقتل بالطريقة ذاتها ، على عتبة المنزل جارا آخر يدعى فتحي".
كما جمعوا مجموعة من النسا، و جردوهن من ملابسهن ، ووضعوهن مع ما تبقى على قيد الحياة من الأطفال ، في ثلاث شاحنات واستعرضوا بهم الأحياء اليهودية في القدس ، وفي موقف آخر جمعوا خمسا وعشرين شابا وأستعرضوا بهم إحدى المستوطنات القريبة ومن ثم قتلوهم جميعا.
سئل ( مناحيم بيجن ) ، واضع مخطط المذبحة ، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني فيما بعد ؛ في مقابلة اجرتها معه صحيفة (هتحيا)؛ عما إذا كان قد قام فعلا بجرائم ضد النساء الحوامل ؟ فأجاب: " وهل فعلت ذلك إلا من أجل شعبي " وقد منح جائزة نوبل للسلام عام 1978.
يقول د. ( الفرد انجل )؛ الذي رافق مبعوث الصليب الأحمر في زيارته الثانية لساحة المذبحة : " كنت طبيبا مع الجيش الألماني لخمس سنوات خلال الحرب العالمية الأولى إلا إني لم أرى مثل دير ياسين قط " .
ويقول ( الياهو اربل ) أحد ضباط ( الهاجناة ) التي اشتركت في المذبحة ، في مقابلة مع صحيفة ( ايدعوت احرنوت ) عام 1972 : " لقد اشتركت في حروب كثيرة الا إني ما رأيت منظرا كدير ياسين " .
لم تسقط دير ياسين بالسهولة التي صورتها كثيرا من أدبيات دير ياسين دون قصد ، فما كانت جبانة في يوم من الأيام ، لقد اعترف العدو قبل الصديق ، بأن دير ياسين قد جرعت جزاريها المرارة قبل ان يدخلوا اليها ، و ما كانت ستسقط لو لم ينفذ السلاح من الحامية وأهل القرية ، كان أحد أفراد حامية القرية قادما لتوه من مصر لجلب السلاح ، ولم يستطع ، وحين نفذ السلاح قاتلوا بالسكاكين والأعمدة ،الشهيدة حلوة زيدان كانت تحمل السلاح وتقاتل بجانب زوجها و زغردت عندما أستشهد زوجها وإبنها وزوج أختها وإبن اختها ، وظلت تقاتل حتى أستشهدت.
ومنهن من خرجن تحت نيران الرصاص ليجمعن السلاح من ايدي الجرحى ،،ويوزعنه للقادرين على حمله ، كما أن بعضهن قاتلن أسوة بالرجال.
اعترف ( مناحيم بيجن) ؛ قائد منظمة الأرجون ، التي قادت الهجوم على القرية ، بأنه خسر اربعين في المائة من رجاله في سبيل إحتلال دير ياسين، وقال إن العرب دافعوا بضراوة عجيبة ، وقد فكرت عصابات هذا السفاح بالأنسحاب الفعلي " لصعوبة احتلالها " ، ومرت عليها ظروف إنها لم تستطع إخلاء جرحاها ، ووجهت نداء للهاجناة " اذا لم تساعدونا فنحن حتما هالكون " ، كذلك عصابات شتيرن ، توقفت في منتصف القرية ولم تستطع التحرك ، وقال أحد مهاجميها " لقد قاتل العرب كالأسود وتميزوا بقنص محكم " ، وعندما جرح قائد "شتيرن" الميداني ؛ ( يهودا سيجال ) ، ظل لساعات يتخبط في دمه وهو يرجو ان يجهز عليه ، وكان يسقط حوله كل من يحاول االإقتراب منه حتى مات. ولم يتحركوا إلا عندما جاءت امدادات الهاجناة ، والتي قلبت الأوضاع رأسا على عقب.
ثلاثة ايام والمذبحة تجري ، "تحولت دير ياسين الى جهنم مملوءة بالصراخ وانفجار القنابل ورائحة الدم والبارود والدخان" حسب وصف مندوب الصليب الأحمر ، ثمة وحدات تابعة لجيش "الإنقاذ" العربي ، التابع لجامعة الدول العربية ، كانت على بُعد دقائق من المذبحة لكنها رفضت التدخل.
استطاعت فتاة ان تنفذ من المذبحة في الساعات الأولى ، واستنهضت ضمائر قادة هذه الوحدات وهي تخبرهم بما يجري في القرية ، الأول قال لها : " لم تصلنا اوامر " وآخر قال لها : " أمرنا بالرحيل من المنطقة و لا نستطيع فعل شيء " وقد أكد انور نسيبة حوادث شبيهه بهذه.
إنني على يقين بأنه لا يمكن للعصابات الصهيونية إرتكاب مذبحة بهذا الحجم ، وهذا النهج ، وهذا التخطيط وبهذا الإطمئنان ، وبفظاعة تخطت كل الحدود ،وأين؟ في قلب العالم العربي؛ لو لم يكن هناك تواطئ واضح ما بين العصابات الصهيونية والحكام العرب ، و إعتذار الوكالة اليهودية لبعض القادة العرب عن المذبحة ؛ لا ينفي هذا الحكم بل يؤيده ويفضح الصلة الوثيقة التي تربط بينهما.
كما أن الشواهد ما قبل وبعد المذبحة تؤيد ذلك أيضا فمن بين مشاريع الترحيل التي قدمت للوكالة اليهودية عن كيفية ترحيل الفلسطينيين عن أراضيهم ، كانت ثمة مشاريع ترحيل عربية ، إثنان منهما على الأقل تضمنا ترحيل قسري ؛ أي إرتكاب مذابح لإجبار الآخرين على الفرار.
ثم تأتي الحرب الشعواء التي شنتها الحكومات العربية وجامعة الدول العربية على القائد عبد القادر الحسيني من أجل إجباره على الخضوع لسياساتهم الرسمية في فلسطين ، فقد رفضوا إعطاءه السلاح وأوعزوا لقادة جيش الإنقاذ التابع لجامعة الدول العربية برفض طلبه والتهجم عليه ، وبلغ بهم الأمر ان يطلبوا منه سحب قواته والتي كانت دير ياسين تحت حمايتها ، والإتجاه الى حيفا ويافا وذلك " لأن القدس مدينة غير أستراتيجية "!! ، وما كان يطلب منهم سوى أمانات من أسلحة كان قد تبرع بها بعض الخيرين لقواته " الجهاد المقدس ".
كما حاولوا طمأنته بوجود وحدات من جيش الإنقاذ قرب القدس قادرة على حماية القدس ! ، وهي التي كانت تتفرج على مذبحة دير ياسين دون أن تفعل شيئا.
في محاكمة مغلقة للجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية ، سأل الدكتور مصطفى السباعي : هل كان جيش الإنقاذ لإنقاذ فلسطين؟! فأجابوه،بأن هدف الجيش القيام بعمليات مؤقتة !! ثم سأل : كيف تقع مذبحة دير ياسين على مسمع جيش الإنقاذ وبصره ؟ فسكتوا جميعا!!.
في عام 1972 صدر كتاب "آه يا قدس" لدومنيك لابيري ولاري كولنز ؛ حققا فيه في اتفاقات سرية جرت بين قائد جيش الإنقاذ ؛ فوزي القاوقجي ويوشوا بالمون ؛ احد ضباط استخبارات الهاجناه - مسؤول الموساد فيما بعد - وأعيد نشرها والمزيد عنها في كتاب حرب فلسطين الذي صدر عن جامعة كامبريج عام 2001 ، والمعلومات التي ظهرت تفيد بأجتماع فوزي القاوقجي وبالمون في تاريخ 1-4- 1948 أي قبل المذبحة بثمانية ايام ، وقبل عملية نهشون بثلاثة أيام ، والتي هدفت لفتح طريق تل ابيب - القدس للصهاينة ، و كان إحتلال دير ياسين جزءا منها ، وقد قررا على التعاون في ما بينهما ، وعدم التدخل فيما يجري بين الصهاينة وقوات الجهاد المقدس ، وقد شكى بالمون من عبد القادر الحسيني وأبو حسن سلامه ، فتمنى القاوقجي من بالمون " ان تعلموهم درسا لا ينسوه " ، في 4 - 4- 1948 بدأت عملية نهشون الصهيونية ، و طلب عبد القادر الحسيني السلاح من القاوقجي ، فرفض إعطاءه ، مما اضطره لترك ساحة المعركة والمغادرة الى سوريا حيث اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية ، طالبا منهم السلاح ، حيث حدث معه ما ذكرناه آنفا.
في 6-4-1948 وجه عبد القادر الحسيني مذكرة لأمين عام جامعة الدول العربية ؛ عبد الرحمن عزام ، حمل فيها جامعته مسؤولية ضياع فلسطين.
في 8-4-1948 استشهد القائد البطل عبد القادر الحسيني بعد تحريره القسطل شبه اعزل، وبعد ذلك بيوم جرت مذبحة دير ياسين.
قدمت الوكالة اليهودية إعتذارها للملك عبد الله ملك شرق الأردن ،عبر جولدا مائير ، ووصفت المذبحة بالبربرية ، وقد علق احد الأمراء العرب على المذبحة وهو الأمير فيصل بن عبد العزيز -الملك الراحل فيما بعد -بقوله " ان هذا الحادث انما هو امتحان وعقاب من الرب لعباده لقصور وقع فيهم او آثام ارتكبوها مما لا يرضي المولى عز وجل ولكن العاقبة للمتقين ". وحتما لم يسأله أحد عن آثام وقصور الأجنة في بطون أمهاتهم.
بعد يومين من المذبحة ، انتقمت لدير ياسين مجموعة فلسطينية بالسيطرة على قافلة مستشفى هداسا وحراستها وقتلوا منهم 78 شخصا ، وقد تدخل الأنجليز والذين استطاعوا إنقاذ ما تبقى وهم عشرة جرحى.
في 28-5-1948 أستسلم الحي اليهودي في القدس القديمة للمجاهدين وهم فرق من كتائب الأخوان المسلمين ومتطوعين وأبناء القدس ، وقرروا الثأر لدير ياسين من هذا الحي ، الا إن أوامر صارمة جاءت من قائد الجيش العربي، و قائد القوات العربية "جون باقوت كلوب" بضرورة تسليم الأسرى للصيب الأحمر ، وهذا ما حدث.
بعد عام من المذبحة اتفق العرب والصهاينة في جزيرة رودوس على التوقيع على ضم عدد من القرى الفلسطينية للكيان الصهيوني وكان من بين تلك القرى، قرية دير ياسين ، وكان التوقيع في 3-4-1949،مع أن دير ياسين خارج حد التقسيم المعطى للصهاينة.
في شهر 10 عام 1949 اجتمعت جامعة الدول العربية وأقرت الدفاع عن السلام ومقاومة كل خطر يهدده مهما كان مصدره!.
في عام 1969 نشرت خارجية الكيان الصهيوني منشورا باللغة الأنجليزية نفت فيه وقوع مذبحة ياسين ،الا إنها اضطرت وسحبته فيما بعد ، كما ذكر معمر القذافي نفس الشيء قبل عدة سنوات بأن اليهود لم يرتكبوا مذبحة ياسين!.
في 9-4-1978 انتقمت حركة فتح لدير ياسين في عملية تعد من اكبر عملياتها ، وهي عملية "دير ياسين" والتي خطط لها الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، وقادتها دلال المغربي مع مجموعة من 13 مقاتلا ، وقد ودعها أبو جهاد بقوله " أريد منك يا دلال ان تبكيهم كما أبكونا في دير ياسين " ، لم يعرف عدد القتلى من الصهاينة رغم إعترافهم بمقتل ثلاثين جنديا واكثر ركاب الباص المخطوف والذين كانوا 68 راكبا.
أما أكثر سفاحي مجزرة دير ياسين فقد تم تكريمهم من قبل الكيان الصهيوني ، ومنهم من بلغ أرفع المناصب في الكيان الصهيوني ، كبن غوريون الذي أظهر تنصله من المذبحة ، ومناحيم بيغن وإسحاق شامير ، وحتى وزيرة الخارجية الصهيونية حاليا ؛ تسيبني ليفني ، ما كان ليرتفع نجمها لو لم يكن والدها ؛ إيتان ليفني ، أحد أكبر جزاري دير ياسين ، فقد كان قائد عمليات عصابة الأرجون التي أشتركت في المذبحة ، ووالدتها أيضا كانت مقاتلة من ضمن عصابة الأرجون ، وعجبي من أسراير خونة فلسطين والعرب التي لا تتفتح إلا عند مقابلتها، وهي التي تكمل في غزة الحريق، ما بدأه والديها في دير ياسين.
وقد بلغ من أكبر سفاحي دير ياسين (مناحيم بيغن) أن يبني بيته في مواجهة ساحة المجزرة ،بعد أن اعتزل الحياة السياسية، بعد أن أنتابته حالة نفسية رهيبة وكان دائم النظر للساحة وهو شارد الذهن،وقد ظل على هذه الحالة حتى مات في عام 1992 في عزلة تامة.
ستظل دير ياسين في الذاكرة وستكبر عند كل جرح يصيب به شعبنا الفلسطيني من قتلته والمتآمرين عليه ، فكم من مذبحة ارتكبت بعدها في الوطن السليب وخارج حدود الوطن ، فشلال الدم الفلسطيني لم يتوقف، وخيامه لا زالت قائمة ..
دير ياسين عاشت يومها ومضت بهذه الطريقة الفظيعة ، لكن لها يوما لا ينتهي ، وستقف فيه بين يدي رب العالمين ، وستخز بأصبعها عيون القتلة وكل من تآمر عليها ، وكل من ساهم في ذبحها ، وحينها ستعرف ؛ آثام الشهيدة دير ياسين أم آثام المتآمرين ، ولن يضيع الحق عند أعدل العادلين .