الفولاذ حرام أم حلال؟ .. والمكونات مصرية أم أمريكية؟
قدر مصر أو مشكلتها أنها تبدو حين تتعامل مع القضايا الوطنية الاسترتيجية وكأنها تعمل شيئا في الخفاء. ولأنه في الخفاء تكثر الاجتهادات والتأويلات والشائعات ويتحول الأمر أحيانا إلى ما يشبه الأساطير.
يتجلى ذلك بوضوح في مسألة الجدار الفولاذي الذي بدأ العمل فيه دون أن يدري أحد, حتى كتب الأستاذ فهمي هويدي مقاله الأول في هذا الموضوع بصحيفة (الشروق) ليختلط الحابل بالنابل وتتكرر التأويلات والشائعات عن (الجريمة التي تتم دون أن يدري أحد) ولغياب المعلومة وللصمت الرسمي الرهيب، ولا نقول المريب تعددت عناصر القصة وتنوعت طرق السرد.. فمن قائل إنه فولاذي، ومن قائل إنه بناء هندسي، وليت الأمر توقف عند ذلك.. فالبناؤون أمريكيون، ولأنهم أمريكيون فما المانع أن يكون بينهم إسرائيليون؟ والمواد أمريكية، ولأنها أمريكية فما المانع أن تحتوي على مكونات إسرائيلية سامة أو مسمومة؟
كل ذلك والصمت الرهيب مستمر, ولأنهم لا يتحدثون إذن فالأمر خطير ويهدد فلسطين والأمتين العربية والإسلامية.. ولأنه يهدد الإسلام والمسلمين فلا بد أن يتدخل العلماء بالرأي تارة وبالفتيا أخرى، بدءا من السؤال عن شرعية الجدار وصولا إلى شرعية الحصار مرورا بما إذا كان الفولاذ حراما أم حلالا, فمن قائل إنه حلال إذا لم نكثر منه، ومن قائل إنه حرام حرام، ويتحمل إثمه من يبيعه أو يقدمه.
وباختصار شديد خاض في الأمر كل من هب ودب حتى جاءت مشكلة قافلة شريان الحياة لتكتمل مكونات المشهد البغيض، وكأن مصر تحارب غزة بل وكأنها تحارب فلسطين والأمتين العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء جمعاء.
أخيرا يتوقف الصمت الرهيب ليبدأ التفسير المتلعثم وكأن مصر كانت بالفعل تعمل شيئا في الخفاء .. فالجدار ليس جدارا، وإنما شكل هندسي.. والفولاذ ليس فولاذا، وإنما مواد بناء عادية.. والمكونات مصرية مية في المية وليست أمريكية.
ويخرج الأساتذة واللواءات على الفضائيات للرد على الإساءات والحملات التي تتعرض لها مصر، فتزيد تصريحاتهم الطين بلة، وينفعلون على طريقة الرد على المراهقين الجزائريين أيام محنة الكورة (مصر أولا وليحترق بعدها الآخرون).
ومن جديد نقول: إذا كان الإجراء أمنيا وقوميا واستراتيجيا، ويختص بالأمن القومي المصري، وهو كذلك بالتأكيد، فلماذا لا نجاهر به منذ البداية، ونوضح حقيقته من اللحظة الأولى، بل وننقل أعماله على الهواء؟ قد يقول أحدهم لسنا مضطرين للرد, لكن ما حدث من ردود متلعثمة يؤكد ضرورة التوضيح المبكر للمصريين كتابا ونوابا وإعلاميين ومواطنين حتى لا تكون فتنة، وحتى تتوقف السهام المصوبة إلى مصر على هذا النحو السخيف.