اكتشف
الصينيون صناعة الحرير حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وعرفوا في هذا الوقت
المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صنعته وتطريزه. وقد أذهلت هذه الصناعة الناس
قديماً، فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل، حتى أنهم كانوا يحصلون عليه
مقابل وزنه بالأحجار الكريمة. وقبل خمسة آلاف سنة، بدأ الحرير يأخذ طريقه
من الصين إلى أرجاء العالم. ليس الحرير وحده بالطبع، وإنما انسربت معه
بضائع كثيرة، مالبث انتقالها من الصين وأقاصي آسيا، إلى أواسط آسيا وشمال
أفريقيا ووسط أوروبا؛ أن اتخذ مسارات محددة ، عرفت منذ الزمن القديم باسم
طريق الحرير
فى واقع الأمر، فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في
طرق
أكبر أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي (صيفي) والآخر شتوي كانوا
يسلكونه في زمن الشتاء. والذي يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً، هو
أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر في طريقها
ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجاري الأكثر شهرة في
العالم القديم.
وقد
انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلت منتظمةً
لألف وخمسمائة سنة تالية، كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً
واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها. لم يتوقف شأن طريق
الحرير على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما تجاوز
(الاقتصاد العالمي ) إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره (الديانات) فعرف
العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره (البارود) فعرفت الأمم
الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره (الورق) فحدثت طفرة كبرى في تراث
الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت
عبره أنماط من (النظم الاجتماعية) التي كانت ستظل، لولاه، مدفونة في حواضر
وسط آسيا .. غير أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العاملُ الأهم، الأظهر
أثراً. ويكفى لبيان أثره وأهميته، أن طريق الحرير أدَّى إلى تراكم المخزون
العالمي للذهب، في الصين، حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت
الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية
مجتمعة.
ومن
اليابسة إلى البحر، انتقل الاقتصاد العالمي نقلةً كبيرة مع اكتشاف التجار
أن المسارات البحرية أكثر أمناً من الطرق البرية. وقد تزامن ذلك مع اشتعال
الحروب المغولية/ الإسلامية بقلب آسيا، وشيئاً فشيئاً، اندثرت معالم طريق
الحرير وصارت البضائع، والثقافات الإنسانية، تنتقل في مسارات بحرية
منتظمة، تتجه عبر المحيط الهندي من حران آسيا الجنوبية، إلى شمال أفريقيا
مروراً من البحر الأحمر، لتستلم القوافلُ البرية البضائع من آخر نقطة فى
خليج السويس، لتنقلها إلى المراكب الراسية في ثغر دمياط وما حوله من موانئ
مصرية .. وفى هذا الزمان، كان مماليك مصر يتقاضون رسوماً عالية مقابل هذه
(الوصلة) حتى أنهم كانوا، مثلاً يحصِّلون على الفلفل الأسود وزنه ذهباً.
وازدهرت
مصر المملوكية حيناً من الدهر، حتى اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، فصارت
السفن تحفُّ جنوب أسيا، لتمر بحواف أفريقيا، فترسو على موانئ شبه جزيرة
أيبيريا .. فازدهرت البرتغال وإسبانيا، وانطفأت مصر أواخر عصرها المملوكي
وخلال عصرها العثماني.
ولما
افتتحت قناة السويس، واتصل المسارُ البحري الآتي من آسيا إلى أوروبا،
تغيَّر الحال .. وانتظمت التجارة واستولدت قناةُ السويس مدناً مصرية من
الصحراء فكانت السويس والإسماعيلية وبور سعيد وبور فؤاد، وكثيراً من نقاط
حضرية أخرى موزعة على الحافة الغربية لمجرى القناة .
ـ نشأة طريق الحرير
في عام 1877، أطلق العالم الجغرافي الألماني F.Von Richthofen على
طريق المواصلات لتجارة الحرير بشكل رئيسي فيما بين الصين في أسرة هان وبين
الجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند اسم "طريق الحرير". ويقصد بـ"
طريق الحرير" هو خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق
غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من إفريقيا وأوروبا،
وبواسطة هذا الطريق، كان تجري التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة
والاقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات.
انتقال الحضارة المادية عبر طريق الحرير إلى الخارج
بدأ
الغرب يعرف الصين من انتقال الحرير الصيني عبر "طريق الحرير" إلى الخارج.
في عهد أسرة تانغ، بلغت صناعة الحرير الصينية الذروة، وازدادت أساليب نسجه
وزخرفته. وقد ورثت المنسوجات الحريرية في عهد أسرة مينغ تقاليد كثرة
أنواعها وجمالها الزاهي منذ عهد أسرة تانغ، فاجتذبت تجار مختلف بلدان
العالم بنوعيتها الممتازة. وعندما وصل الحرير الممتاز النوعية والزاهي
الألوان إلى الغرب أعجب به الغربيون شديد الإعجاب، فقد مدح الشاعر
الروماني ويجير الحرير الصيني بأنه أجمل من الزهور وأدق من نسج العنكبوت.
ومع انتقال الحرير الصيني إلى الخارج، عرف الغربيون الحرير كما عرف الصين.
و في العصور القديمة أصبح الحرير الصيني بضاعة انتقلت وبيعت إلى مكان أبعد
ووصل حجمها التجاري إلى الأعلى وبلغ سعرها الأغلى وربحها الأكثر تدريجيا
في التجارة العالمية. وإلى جانب الحرير، أعجبت بلدان الغرب بخزفيات الصين
ومنتجاتها اللكية ذات الجاذبية الشرقية.
وفي "طريق الحرير"، كانت الثقافة المادية متبادلة، فقد حمل شعوب مختلف بلدان أوروبا وآسيا منتجاتهم المتنوعة إلى الصين أيضا
ان
طريق الحرير ممر كانت الصين تمر به فى تبادلها التجارى البرى مع جنوب
آسيا وغرب آسيا واوربا وشمال افريقيا ويسمى بطريق الحرير بسبب نقل حجم
كبير من الحرير والمنسوجات الحريرية الصينية الى الغرب عبر هذا الطريق.
واكتشف علماء الاثار ان طريق الحرير تشكل اساسا فى اسرة هان الصينية فى
القرن الاول قبل الميلاد وحينئذ اتجه طريق الحرير الجنوبى الى افغانستان
واوزبكستان وايران غربا حتى مدينة الاسكندرية المصرية والطريق الاخر مر
بباكستان وكابول الافغانية حتى رأس الخليج ويمكن الوصول منه الى
ايران وروما عن
وفى
الفترة ما بين القرن الثانى قبل الميلاد والقرن الثانى الميلادى كان على
طول طريق الحرير اربع دول امبراطورية كبرى وهى روما فى اوربا وبارثيا
فى غرب آسيا ( ايران القديمة ذات النظام العبودى) و كوشان فى آسيا الوسطى
( الدولة تسيطر على آسيا الوسطى و شمال الهند) واسرة هان الصينية فى شرق
آسيا. وان تشكيل طريق الحرير جعل هذه الحضارات العريقة تتبادل وتتاثر
بعضها بالبعض وبعد ذلك تتطور اية حضارة بصورة منعزلة
تكثفت
الاتصالات بين الشرق والغرب عبر طريق الحرير المكون من شبكة طرق
معقدة. وتقول سجلات تاريخية صينية ان الجوز و الخيار والفلفل الاسود
جلبت من الغرب. وفى فترة اسرة تانغ ما بين القرن السابع والقرن التاسع
الميلادى ازدهر طريق الحرير اكثر حيث جلبت الى الصين الطيور و الحيوانات
النادرة والمجوهرات والتوابل والاوانى الزجاجية والعملات الذهبية والفضية
من الغرب والموسيقى والرقص والاطعمة والازياء وزخارفها من غرب آسيا وآسيا
الوسطى وفى نفس الوقت صدرت المحصولات والمنتجات والتكنولوجيا الصينية مثل
الحرير وصناعة الورق و فن الطباعة والاوانى المطلية باللك والاوانى
الخزفية والديناميت والبوصلة الى الخارج عبر طريق الحرير مما قدم مساهمة
هامة للحضارة العالمية.
بينما
تطورت التجارة الصينية نشط التبادل الثقافى عبر طريق الحرير ودخلت البوذية
كاحدى الاديان الثلاثة الكبرى فى العالم الى الصين فى اواخر اسرة هان
الغربية (عام 206 –عام 220 ق م) وان مسار دخول البوذية من الهند الى
الصين سجل فى رسوم حائطية تبلغ مساحتها حوالى عشرة الاف متر مربع وما
زالت موجودة فى معبد الكهف الحجرى الذى بنى فى القرن الثالث الميلادى
بقيزر فى شينجيانغ.وعبر طريق الحرير دخلت البوذية من الهند الى قيزر
بشينجيانغ ودون هوانغ بقانسو ثم الى المناطق الداخلية بالصين وان الكهوف
الحجرية البوذية المتبقية عبر طريق الحرير مثل كهوف موقاو بدون هوانغ
وكهوف لونغ مين الحجرية بلويانغ تتميز باساليب الفنون الشرقية والغربية
دلالة على التبادل الثقافى بين الصين و الغرب عبر طريق الحرير وتعتبر
كلها من التراث الثقافى العالمى.
ومع
تغير الخارطة السياسية والاقتصادية فى اوربا وآسيا بعد القرن التاسع
الميلادى وخاصة تقدم تكنولوجيا الملاحة برز دور النقل البحرى فى التبادل
التجارى اضمحل دور طريق الحرير البرى التقليدى هذا و فى القرن العاشر
قلما اعتبر طريق الحرير هذا طريقا تجاريا.
وخلال
السنوات الاخيرة بدأت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للامم
المتحدة اليونيسكو تنفذ برنامج بحوث جديدة لطريق الحرير وتسمى طريق
الحرير طريق الحوار لدفع الحوار و التبادل بين الشرق والغرب
[/size].