دنيا النمل
دعنا يا سيدي نسترح قليلاً من عالم البشر بكل ما فيه من ظلم وقسوة وصراعات، لنعيش ولو لحظات مع عالم النمل.. ذلك العالم الرائع الذي يسوده التراحم والتعاون والإيثار.. فالنمل مخلوق جميل يعرف ربه ويسبحه آناء الليل وأطراف النهار، وقد تكرر ذكره في القرآن الكريم ثلاث مرات، منها ما ورد في سورة النمل آية ١٨ «حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون».
وقد اجتمع مجموعة من علماء الغرب في سبيل البحث عن خطأ في كتاب الله تعالى، حتى تثبت حجتهم بأن الدين الإسلامي دين لا صحة فيه، وبدؤوا يدرسون آيات المصحف الشريف حتى وصلوا إلى اللفظ في الآية الكريمة «يحطمنكم» وهنا اعترتهم الفرحة والسرور فقد وجدوا - في نظرهم - ما يسيء للإسلام فقالوا بأن كلمة «يحطمنكم» من التحطيم والتهشيم والتكسير، فكيف يكون لنملة أن تتحطم؟! فهي ليست من مادة قابلة للتحطم..
إذن فالكلمة لم تأت في موضعها.. وبدؤوا ينشرون اكتشافهم الذي اعتبروه عظيماً، حتى ظهر عالم استرالي أجرى بحوثاً طويلة على تلك المخلوقة الضعيفة ليجد ما لا يتوقعه إنسان على وجه الأرض.. لقد وجدوا أن النملة تحتوى على نسبة كبيرة من مادة الزجاج! ولذلك ورد اللفظ المناسب في مكانه المناسب، وبعدها أعلن العالم الاسترالي إسلامه ودخل في الإسلام..
والنمل كما قرأت عنه عظيم الحيلة في طلب الرزق، فإذا وجد شيئاً أنذر الباقين ليأتوا إليه، ومن طبعه أنه يدخر قوته في زمن الصيف لزمن الشتاء، وله في ذلك من الحيل فإذا خزن ما يخاف إنباته قسمه إلى قسمين.. فمن عجائب النمل ومن بديع صُنع الله فيه، أنك ترى في عُشه الحبوب مفلوقة إلى نصفين، حتى لا تنبت ويتهدم عشه.. بل نجده يقسم الحبة الكبيرة إلى أربعة أقسام حتى لا تُنبت لأنها تُنبت إذا انقسمت إلى نصفين!!
وفى كتاب (عالم الحيـوان بين العلم والقرآن)، يقول الكاتب الإسلامي الراحل عبد الرزاق نوفل إن الدراسات والملاحظات التي قام بها علماء النمل قد دلت على أن النملة هي بلا منازع أنبل وأسخى وأكثر مخلوقات هذه الدُنيا إيثارا للغير، فقد وجد أن النمل في العش الواحد يأكل معاً من غرف التخزين، ومن كميات الأكل المتاحة دائماً أمام سكان العش فلا خوف على نملة من جوع، وزميلتها على شبع، ويصل من خلق النمل وطيبته إلى أنه يقدم الغذاء للنمل العدو أو المهاجم الغريم!!
فعندما تجد النملة نملة أخرى جاءت لتهاجمها تبدأ أولاً في تحسس مقدمتها، فإن كانت على شبع بدأت القتال، وإلا قدمت لها الغذاء حتى تأكل وتشبع، وتطمئن النملة على ذلك فتحاربها، حتى تكون معها على قدم المساواة، فلا يتدخل الجوع في نتيجة القتال!!..
ومن ضمن ما وصلت إليه الدراسات العلمية أن النملة لا تسأل من تقابله سواء كانت زميلة أو عدوة عن جوعها أو شبعها، فقد يحرجها السؤال، ولكن النملة تتحسس بنفسها معدة صديقتها أو عدوتها، حتى تدرك حقيقة شبعها أو درجة جوعها، وقد وضعت النملة موضع الفحص العلمي والقياسي المعملي أثناء قيامها بتغذية غيرها، فوجد أنها تكون على أعلى درجة من السعادة والابتهاج وأن هذه الدرجة لم يصل إليها أي كائن آخر في تعامله مع غيره.. ما أروع الدرس، وما أجمل الحالة النفسية والخلقية في حياة النمل!!
جلال عبد الحميد محمود
مدير بالتعليم - طنطا