تفسير : سورة البلد

تفسير قصار السور : سورة البلد

لاَ
أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ(الْمَعْنَى: أُقْسِمُ بالبلدِ الحرامِ، وَهُوَ
مَكَّةُ؛ وَذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى كَرَامَةِ أُمِّ القُرَى وَشَرَفِهَا
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَنَّ فِيهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ، وَهِيَ بلدُ
إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَبِهَا
مَنَاسِكُ الْحَجِّ.
)وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ( أُقْسِمُ
بِهَذَا البلدِ الَّذِي أَنْتَ مُقِيمٌ بِهِ؛ تَشْرِيفاً لَكَ وَتَعْظِيماً
لِقَدْرِكَ؛ لأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِإِقَامَتِكَ فِيهِ عَظِيماً شَرِيفاً.
)وَوَالِدٍ
وَمَا وَلَدَ(يُقْسِمُ تَعَالَى بالوَالِدِ وَأَولادِهِ، كآدَمَ وَمَا
تَنَاسَلَ منْ وَلَدِهِ وَبِكُلِّ وَالِدٍ وَمَوْلُودٍ مِنْ جَمِيعِ
الحيواناتِ؛ تَنْبِيهاً عَلَى عِظَمِ آيَةِ التَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ،
وَدَلالَتِهَا عَلَى قُدْرةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ.
)لَقَدْ
خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ(لا يَزَالُ فِي مُكَابَدَةِ الدُّنْيَا
وَمُقَاسَاةِ شَدَائِدِهَا حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ كَابَدَ
شَدَائِدَ الْقَبْرِ وَالبَرْزَخِ وَأَهْوَالَهُمَا، ثُمَّ أَمَامَهَ
شَدَائِدُ الآخِرَةِ.
)أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ
أَحَدٌ(؛ أَيْ: أَيَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَلا
يَنْتَقِمَ مِنْهُ أَحَدٌ مَهْمَا اقْتَرَفَ مِنَ السَّـيِّئَاتِ، حَتَّى
وَلا رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ. (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً(؛ أَيْ:
كَثِيراً مُجْتَمِعاً.
(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)
أَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَرَهُ، وَلا يَسْأْلُهُ عَنْ
مَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ؟ وَأَيْنَ أَنْفَقَهُ؟
(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) يُبْصِرُ بِهِمَا. (وَلِسَاناً) يَنْطِقُ بِهِ،(وَشَفَتَيْنِ) يَسْتُرُ بِهِمَا ثَغْرَهُ.
(وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ) الْمَعْنَى: أَلَمْ نُعَرِّفْهُ طَرِيقَ الْخَيْرِ
وَطَرِيقَ الشَّرِّ، مُبَيَّنَتَيْنِ كَتَبَيُّنِ الطَّرِيقَيْنِ
العَالِيَتَيْنِ.
(فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)؛ أَيْ: فَهَلاَّ
نَشِطَ وَاخْتَرَقَ المَوَانِعَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَاعَةِ
اللَّهِ؛ مِنْ تَسْوِيلِ النَّفْسِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ.
(فَكُّ رَقَبَةٍ)؛ أَيْ: هِيَ إعتاقُ رَقَبَةٍ عبد أو أمه . (أَوْ
إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)؛ أَيْ: يَوْمِ الْمَجَاعَةِ، عَزِيزٌ
فِيهِ الطَّعَامُ.
(يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ)؛ أَيْ: يُطْعِمُ
الْيَتِيمَ، وَهُوَ الصَّغِيرُ الَّذِي لا أَبَ لَهُ وَلا أُمَّ، وَيَكُونُ
اليَتِيمُ مِنْ أقارِبِ هَذَا المُقْتَحِمِ.
(أَوْ مِسْكِيناً ذَا
مَتْرَبَةٍ)؛ أَيْ: لا شَيْءَ لَهُ، كَأَنَّهُ لَصِقَ بالتُّرَابِ
لِفَقْرِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي لا يَقِيهِ مِن التُّرَابِ
لِبَاسٌ وَلا غَيْرُهُ، (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)؛ فَإِنَّ
هَذِهِ القُرَبَ إِنَّمَا تَنْفَعُ مَعَ الإِيمَانِ إِذَا أَتَى بِهَا
لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) عَلَى طَاعَةِ
اللَّهِ، والصَّبْرِ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ
من البَلايَا وَالْمَصَائِبِ، (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)؛ أَيْ:
بالرَّحْمَةِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ. (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)
وَهِيَ الْجَنَّة .(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا}؛ أَيْ: بالآياتِ
التَّنْزِيلِيَّةِ وَالآياتِ التَّكْوِينِيَّةِ، {هُمْ أَصْحَابُ
الْمَشْئَمَةِ}؛ أَيْ: أَصْحَابُ الشِّمالِ، وَهِيَ النَّارُ
المَشْؤُومَةُ. وَتَفْصِيلُ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لأَصْحَابِ الشِّمالِ
(عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)؛ أَيْ: مُطْبَقَةٌ مُغْلَقَةٌ.