مشاهير عظماء خلف الأسوار

مشاهير عظماء خلف الأسوار

مشاهير عظماء خلف الأسوار Larg1296844286

السجن
هو جدران صامتة، يضم قلوباً حائرة، تنغلق فيه دروب الأمل، فتطل من عتمته
قيود الألم، سكون يكاد يخنق السجين، ودموع فراق الأحباب أليم، فيرى السجين
أن الشمس لا تشرق صباحاً، بل أيامهم جميعها ليل حالك، وأن الزمن توقف، وأن
النوائب حول أعناقهم تلتف، فيخيم الأسى على أجوائهم، ويهجر الفرح ديارهم،
ولكن هناك من حوّل المعتقل ومحنته إلى أرض يسكنها القرطاس والقلم، صبروا فذاقوا العلقم.

فمن
مشاهير السجون القدماء الذين ألقوا في ظلام السجن وتحملوا محنته، الفيلسوف
اليوناني سقراط، فقال في محنته حكمة رائعة: "إذا جمعت نوائب الناس إلى محل
واحد ليتقاسموها بالتساوي فالذين يحسبون أشقى الناس وأنكدهم حظاً يفضلون
نصيبهم الأول على ما ينالونه من هذه القسمة".

ومن
عزة نفسه أنه عرض عليه أحد تلاميذه مساعدته من أجل الفرار من السجن ولكنه
أبى وفضل تجرع السم ليذهب لحضن الموت قائلاً: "أرشدوني إلى مكان لا موت فيه
فأفر إليه".

فبكى
أصحابه وتلاميذه بشدة وهم يشاهدونه يتجرع السم فقال لهم مواسياً: "لماذا
تبكون؟ ألم نُخرج النساء حتى لا نسمع العويل؟ كونوا رجالاً واعملوا عمل
الرجال".

وغاليليو
الفلكي الذي عانى ظلم السجن لقوله بنظرية دوران الأرض، فبقي في السجن
سنوات لا يأكل فيه سوى فتات الخبز اليابس، فكتب هناك العديد من آرائه وقد
تجاوز الخامسة والسبعين، فضيقوا عليه في السجن وأجبروه على أن يتلفظ
بعبارة: الأرض لا تدور. فأجابهم بدون خوف: "كيف أنكر تحركها وأنا أشعر باهتزازها تحت قدمي؟"، وزاد عناده بقوله: "وفوق كل ذلك إنها تدور".

لذا قال محمد الأبيوردي في تحدي المصاعب:

تنكر لي دهري ولم يدرِ أنني أعزُّ وأهوال الزمان تهونُ

وظل يريني الخطب كيف اعتداؤهُ وبت أريه الصبر كيف يكونُ

وقول الشاعر الإنجليزي شكسبير مما عربه لنا الشيخ أمين الحداد اللبناني:

إذا ما تراءى الصبر لي حال دونهُ مصاب أبي عندي فأبكي وأطرقُ

وحيث مجال الدمع في العين واسع فثم مجال الصبر في القلبُ ضيقُ

ويبقى العظماء عظماء رغم قيودهم لذا قال ديكنز: "إن العظيم بين الناس من كان عظيماً في شقائه وعظيماً في سجنه وعظيماً في قيوده".

وممن حوّلوا السجن لأرض للقرطاس والقلم فأخرجوا لنا علماً واسعاً يحق
لنا أن نفخر بهم نحن العرب، أبو منصور الأزهري الهروي اللغوي المتوفي سنة
370 هـــ (980م) الذي أُسر عند إحدى القبائل البدوية وهو يطوف بين أحيائها
قاصداً تدّوين لهجات العرب، فأخرج للوجود من معتقله عن أشياء لغوية مهمة
أضافها لكتابه (التهذيب) وقد صنفه في عشر مجلدات ويعد من أفضل المصنفات
اللغوية.

وقد
فعل الشيخ الرئيس (ابن سينا) الشيء ذاته في معتقله بقلعة فردجان، فقد أخرج
لنا من ظلمات السجن نور علم ينبعث من كتابه (الهدايات) و (رسالة حي بن
يقظان) وغيرها من الإبداعات التي خرجت من الظلمة للنور.

وهناك
آخرون ممن حولوا السجون لعلم تبصره العيون، فهاهو أبو الصلت أمية بن
عبدالعزيز الأشبيلي الأندلسي الذي اعتقله الملك الأفضل في مصر فألف في
معتقله كتباً ورسائلاً منها: (رسالة العمل في الإسطرلاب) و (كتاب الوجيز في
علم الهيئة) و (كتاب الأدوية المفردة) و (تقويم الذهن) في المنطق.

أما الشيخ (ابن تيمية) عندما سجن في مصر ثم في قلعة دمشق
ألف مؤلفات في المسألة التي سجن بسببها ومن مؤلفاته في معتقله (تعاليق على
تفسير القرآن) فمنع من الكتابة داخل أسوار السجن فأزيل عنه القرطاس والقلم
ولكنه واصل الكتابة بالفحم على بعض الآنية! فمات بالسجن ( 728هــ) صبوراً فرثاه ابن الوردي بقوله:

وحبس الدر في الأصداف فخر وعند الشيخ بالسجن اغتباط

وإسحاق بن خلف ( المتوفي 230هــ - 844م) المعروف بلقب ابن الطبيب تعلم نظم الشعر في معتقله فصار مشتهراً به.

وامتدت
ذراع المحنة في السجون لغير العرب، فحرك المعتقل عقليتهم فألفوا الكتب
المفيدة، فالفيلسوف الفرنسي فولتير الذي سجن في الباستيل نتيجة لهجائه لويس
الرابع عشر بقصيدة، نظم في المعتقل قصيدة (ليج) أي التعاهد ورواية ( أوديبوس ) وقيل أنها أجمل كتاباته ثم أُطلق سراحه فيما بعد.

والفرنسي
أندره شينيه (1762م – 1794م ) نظم قصيدة تعد حالياً من أشهر القصائد
الإفرنجية اسمها (الفتاة الأسيرة)، والشاعر الإيطالي طاسو كان في معتقله
ينظم يومياً خمسمائة بيت من الشعر الحماسي المشهور، أما الشاعر الإيطالي
دانتي نظم في منفاه ملحمته (المضحكة الإلهية) التي يقال أنها أشبه برسالة
الغفران لشدة بلاغتها.

فالنوائب هي وسيلة لديهم للمضي للأمام وليس للتراجع إلى الخلف، النوائب تطل لديهم من نوافذ الأمل.

وأخيراً ما يزال المعرّي يطربنا من موسيقى عصره بإيقاعاته الهادئة عن مفتاح الصبر الذي لابد أن نمسكه وقت تحاصرنا الخطوب فيقول:

ولما تجهمني مرادي جريت مع الزمان كما أرادا

وهوّنت الخطوب عليّ حتى كأني صرت أمنحها الودادا

* طرحته بأسلوبي عن كتاب (المشاهير والسجون)، كتاب ضم مقالات نشرت في مجلة الهلال منذ 80 عاماً نشرها سليمان بن صالح الخراشي، وقدمها فضيلة الشيخ الأديب عائض القرني.

مشاهير عظماء خلف الأسوار 30_12_1213568613711

كــل الشــكر جــآلودي
على طــرحك الممــيز
تقــبل مروري

جالودي ..متفرد بعطائك المميز وطرحك الجميل
يعطيك الف عافية على الطرح
لك مودتي

............

ربي ساّمِحني عِندَمَاّ أَحزَن عَلّى شَيء أَرَدَتَـُه
وَ لَم تَكتُبُه لِي....

» عظماء .. معاقين
» مشاهير لا يؤمنون بوجود الله
» مشاهير من فلسطين
» مشاهير عصاميون...... قرأت لك
» اقتباسات من أقوال مشاهير