امتزجت يدها بأحلامي، أحسست بدعواتها تحضنني وهي تمرر أصابعها على رأسي ووجنتيّ وذقني، لولا أن قطع عليها ذلك نداء أخي من الغرفة المجاورة. عما قريب سيخلق الله لي يداً مثلها، أمررها على رؤوس أبنائي وهم بين اليقظة والنوم.. سيشدون جفونهم عن آخرها كيلا أكتشف أن يدي التي تتحسس الدعوات على جباههم أيقظتهم في غفلة مني، سيضحكون في سرهم، ويباغتونني في أول النهار بأنهم أحسوا بي في الليلة السابقة.
هل تظنين بأننا لم نعد نحن.. نحن!
على سرعة 140 كم/ الساعة.. يحدث أن يتسلل الحب هكذا.. ببطء. يخطفك الشارع والسيارات من أمامك مثل رادار مباغت. تصبح المساحات شاسعة، والأفق أبيض كقلب من تحب.. نقطة في المركز لا تراها إلا إذا اقتربت أكثر. في سرعة كهذه، لن تدرك من تكون، ولا من أين خلق الله لك كل هذه الأعين لتصبح الصورة جليّة إلى هذا الحد أمامك.
أجل يا صديقتي.. كنت محقة جدا في أننا لا نجد نصفنا الآخر إلا بفقدانه. كلما فقدنانا بحثنا عنّا بهمة أكبر لنجدنا فنكتمل.
رحلتِ في النهاية، وفي كل مرة تقررين فيها الرحيل تبتهلين إلى الله أن تشهدي زفافي أولا.. ليطمئن قلبك. ها أنا أقذفني في اليم، ولكن فؤاد حبيبي.. ليس فارغاً... فليطمئن قلبك!
سنتبادل هذه الرسائل كثيرا، وأكتب لكِ بينما أعد طعام الغداء أو العشاء.. أو ربما ألاعب طفلا من أطفالنا، أو أكتب قصيدة سرقت مني الزمن أثناء ذهابي إلى عملي.. أو بينما أبحر في عينيه فيرف جفن قلبي وأهمس له: أحبك!
لا عليك.. سأروض عقارب الساعة كيلا تلدغني.. أصبحت تلك الأخرى التي انتظرت دورها في طابور الحياة بصبر وثقة. لم نعد غرباء عنا، كل ما هنالك أننا اكتشفنا "الأنا" الآخر الذي زرعه الله فينا ولم ينبت إلا بعد أن سقيناه ماء صالحا.. للحب!
وفي المسرحية الأخيرة.. لن أكتب السيناريو، ولن أعد ديكورات المسرح، ولن أدرب الممثلين.. سأصفق يا صديقتي.. تأكدي أنني سأصفق لكل مشهد، وستظل الستائر مسدلة على من فيها، وبلا إضاءة. مسرحية حصرية العرض ربما، لكن المقاعد اكتظت بالجمهور. تعلمين، الناس لم تعد ترى بأعين من زجاج.. الناس راغبة في كل ممنوع قابل للكسر. وهذا الزجاج.. لا يعكس العتمة.
حدثيني عن كل أولئك العاشقين التائهين الذين هربوا من البوابات الخلفية، وتجرعوا كأس المأساة الهيوليه.. يا الله كم أرثي لحالهم! لكنني لم أنتهِ من كتابة روايتي بعد.. تبعثرت أوراق الذاكرة على الطريق.. فعودي؛ لنلملمها معا.
الطريق إلى الحب طويل يا صديقتي، ويكفي أنه يمتد على مرمى البصر. الرؤية لا تسعفني لأصل إلى نهاية القصيدة التي ترسمها عينا حبيبي.. حيث تمتد خصلة من الشعر بيننا.. خصلة آخذة في الطول والقصر، مرة بامتداد الطريق وأخرى على المسافة بين شفتينا.. حكاية من ألف ليلة وليلة.. كلمة واحدة ربما.. لست أدري تماما إلا أنها بين جزر ومد. إنها البحر يا صديقتي.. البحر يغرق أخيراً!