مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي


أسئلة هامة وخطيرة طرحها الدكتور طارق بن علي الحبيب في كتابه " مفاهيم خاطئة

عن الطب النفسي" ، كلها تتمحور حول الطب النفسي والأدوية التي يقدمها،
والعلاج النفسي، والعداء بين الأطباء الشعبيين والطب النفسي، ولقد حاول د.
الحبيب بأسلوب علمي سهل ومبسط أن يضع الإجابة المحددة لكل سؤال، فهو الطبيب
النفسي الذي يعالج خلجات النفوس، ومشكلاتها ويعرف تماما هذا المريض
"النفسي" يريد العلاج والقدر أم يتردد في تلقي الوصفات الطبية من هنا
وهناك..
وهناك خلط كبير بين العلاج بالقرآن والرقية وغيرها من العلاجات المأثورة،
وبين الطب النفسي أو أن كان الدكتور الحبيب يري بضرورة " الخلط بين
الاثنين" أي أن يشارك العلاج بالقرآن الطب النفسي في علاج المشكلات
النفسية، أو بمعنى أدق الأمراض النفسية.
ولكن هناك الكثير من الاعتقادات الخاطئة حول الطب النفسي، والعيادات
النفسية، لدى العوام بل ولدى الكثير من المثقفين- أيضاً- فهم يتصورون أن
الذهاب إلى العيادة النفسية يعني أن المصاب أو المريض "مجنون"، أو ذهب
عقله، وهناك من يعتقد بأن: الصالحين والأتقياء لا يمكن أن تصيبهم الأمراض
النفسية، ظنا- ممن يعتقدون- أن الأمراض النفسية ما هي إلا " مس من الشيطان"
ولذلك لا تصيب الأتقياء!! وأيضاً الاعتقاد بأن الأدوية النفسية ما هي إلا
نوع من المخدرات إذا دوام عليها المريض تحول إلى " مدمن مخدرات"، ومن ثم
يرى البعض بأنه " لا فائدة من الأدوية النفسية، لما يلاحظونه من عدم شفاء
المريض، وطوال فترة العلاج مع استخدام الأدوية"، وهناك من يتساءل: كيف
تداوي العقاقير المادية المحسوسة مشكلات غير محسوسة، ومن يرى أن " الأمراض
النفسية لا شفاءلها
وهذه الأسئلة والاستفسارات شائعة ومتداولة، وأن الأمراض النفسية مع أزمات
العصر ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية صارت مزمنة، لذلك جاء هذا الكتاب
ليحاول الإجابة علي هذه التساؤلات!
وقد بدأ د. طارق بن علي الحبيب في تعريف بعض المفاهيم العلميـة والمهنيــة،
حتى يوضح الأسس العلمية لتناوله للمشكلات النفسية، فيفرق بين "الطبيب
النفسي" وهو الذي درس علوم الطب، وتخصص في الطب النفسي، وبين "الأخصائي
النفسي" وهو الذي درس علم النفس في كلية جامعية- آداب أو تربية- ويعمل في
مجالات محددة كالاختبارات النفسية ومقاييس الذكاء، وأيضاً " الاختصاصي
الاجتماعي" الذي درس علم الاجتماع ويهتم بالمشكلات الاجتماعية والاستشارات
الأسرية.

الصالحون.. والأتقياء !

وأول مشكلة يطرحها د. الحبيب هي مشكلة الاعتقاد بأن بعض الأتقياء والصالحين
لا يمكن أن تصيبهم الأمراض النفسية، على أساس نظرتهم إلى المرض النفسي
بأنه "مس من الشيطان" والذين يقولون ذلك- كما يقول الحبيب- إما أنهم لا
يدركون معنى المرض النفسي أو أنهم يعتقدون أن الأمراض النفسية " مركب
نقص"..
ويقول: أن العوارض النفسية هي تفاعلاته مع الحياة اليومية، ومستمر لفترة
قصيرة، لا تؤثر على كفاءة الفرد وإنتاجيته، وهي جزء من طبيعة الإنسان، أما
الأمراض النفسية فأمرها مختلف، ولا تقتصر على ما يسميه الناس بـ " الجنون"،
لأن معنى المرض النفسي واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطراب التوافق البسيط
إلى أشد أشكاله، متمثلا في مرض الفصام الشديد الاضطراب، كما أنه ليس شرطا
أن تستخدم العقاقير في علاج ما يسميه المعالجون النفسيون الأمراض النفسية،
ومن ثم فانه لتشخيص المرض النفسي فأنه يجب أن تحدث عند المريض أعراض غريبة،
أو غير مألوفة كالحزن والضيق وتستمر لمدة طويلة وتكون الأعراض واضحة..
والأمراض النفسية تقسم إلى نوعين، الأول: الأمراض التي تؤثر على عقل الفرد،
فيفقد تبصره لمن حوله، وتضعف امكاناته وكفاءته الانتاجيه وقدرته في التحكم
على الأمور، والثاني: أمراض لا تؤثر على العقل ولا على الكفاءة والإنتاجية
لكنها تنقص من نشاط الفرد الشيء، كالحزن الشديد المستمر لفترة طويلة.
ويلخص الدكتور الحبيب إلى القول أن المرض النفسي شأنــه شأن أي مريض يصيب
الإنسان، ويتعرض له التقي أو الصالح وغيره. الأدوية والمخدرات..!
أما قضية الاعتقاد بأن الأدوية النفسية ما هي إلا نوع من الإدمان، فان هذا
الاعتقاد وجاء من خلال عدة أمور أهمها، أن صرف الأدوية النفسية كان يتم في
بعض المناطق بوصفات خاصة ذات لون خاص، مختلف عن الوصفات الطبية العادية،
وأن هذه الأدوية تؤدي إلى النعاس والخمول، إضافة إلى استمرار تناول الدواء
لمدة طويلة، وأيضاً أن بعض المعالجين بالقرآن (الرقاة) ساهموا في تعميق هذا
المفهوم، حيث يشترطون أن يتوقف المريض أولاً عن تناول الأدويـة النفسيـة-
لأنها- كما يزعمون " أنها تحبس الجن في العروق، وتنشف الدماغ، وتمنع بلوغ
أثر القرآن، وللأسف قيام بعض الأطباء النفسيين بتعميق هذا الكلام في نفوس
المرضى، والسكوت عنه عمق هذه المفاهيم الخاطئة.
وان كان التقدم العلمي والتنوير المعرفي ساهم في وضع حد لهذه الأقاويل
وأصبح صرف الأدوية النفسية بروشتة مثل أي روشتة طبية، أما ظاهرة النعاس
والخمول فانهما تحدثان كرد فعل طبيعي لأثر الأدوية النفسية ويحدثان أيضا
عند استخدام أدوية الحساسية والسعال وان الأمراض النفسيــة المزمنة قطعا
تحتاج إلى جرعات علاجية أكثر ومدة طويلة، شأن أي مرض عضوي آخر مزمن.
أما هجوم " الرقاة" والمعالجين بالقرآن على الطب النفسي فهو ناجم عن عواطف
لا عن خلفية علمية وهم يجتهدون في القول دون التأكد من صحة كلامهم وعلميته،
فالطبيب.!!

النفسي هو الوحيد الذي يستطيع أن يقيم فائدة الدواء النفسي واحتمال حدوث
آثار جانبية ومدة العلاج وغيره، وقد تحدث انتكاسات أثناء العلاج بسبب عدم
الانتظام في الدواء وغيره وهذا يحدث في الأمراض الأخرى، كذلك هناك أخطاء
يقع فيهم من يعالجون المدنين فيصفون له الأدوية النفسية..

ويؤكد الحبيب أن الأدوية النفسية لا تؤدي إلى ألإدمان كما يعتقد البعض
مطلقا باستثناء بعض أدوية القلق إذا استخدمت لفترة طويلة، وأن الآثار
الجانبية للأدوية النفسية مثلها مثل الأدوية الأخرى.

لا فائدة من العلاج النفسي

ويرد الدكتور الحبيب على من يقولون بـ " لا فائدة من الأدوية النفسية لما
يلاحظونه من عدم شفاء المريض بسرعة" بالقول: أن الأثر الفعال لبعض الأدوية
النفسية لا يظهر إلا بعد ما يتراوح بين أسبوعين أو أربعة أسابيع من بداية
الاستخدام، وربما بعد ذلك بأكثر، وأن تحسن المريض وحتى شفاءه التام ليس
مبرراً لإيقاف الدواء، بل يجب على المريض الاستمرار في تناول الدواء ربما
لمدة تمتد لعدة أشهر، وهذا لا يعني أن المريض صار مدمنا على ذلك الدواء،
ولكن هذه طبيعة الأمراض النفسية وأدويتها، بل إن شفاء المريض ليس معناه انه
ليس للمرض عوارضـه النفسيــة التي تعتري أي إنسان بوصفها جزء من طبيعة
الإنسان، وقد يصاب الإنسان بمرض نفسي ويشفى منه ثم يعود له أو يصاب بمرض
نفسي آخر، فليس هناك ما يمنع ذلك.
أيضاً الأمراض النفسية مثل أي أمراض أخرى منها ما يستجيب للعلاج بسرعة،
ومنها ما يطول معه العلاج، وهناك أمراض عضوية كالضغط والسكر يستمر معها
العلاج..
العقاقير المحسوسة... وأمراض غير ملموسة
ويرد د. الحبيب على من يقولون كيف أن العقاقير المادية المحسوسة تعالج
أمراض غير محسوسة فيقول، ما الذي يمنع ذلك؟! وقد أثبتت التجارب العلمية ذلك
فقد يأتي مريض يعاني من شدة الاكتئاب - وبإذن الله- ثم بالأدوية المناسبة
يتم الشفاء تدريجياً.
أما من يقولون بأن الأمراض النفسية لا شفاء منها فهذا كلام غير علمي،
وللأسف أن من يرددون هذا الكلام في مجالسهم يرفضون الحديث عن أقارب لهم
كانوا مرضى نفسيين ولقد تم شفائهم بعد تلقي العلاج لدى الطبيب النفسي،
لأنهم يشعرون بالحرج في ذلك.
ويرد د. الحبيب على من يقولون: أن العلاج ليس إلا جلسات كلامية بالقول: أن
الأدوية النفسية ثبتت التجارب فعاليتها، وأن جلسات العلاج النفسي غير
الدوائي ليست مجرد حوار بين الطبيب والمريض إنما هو حوار مقنن ومبرمج
بطريقة علمية، وهو علاج مساند يتضمن طمأنه المريض وتوجيهه وإرشاده وتوضيح
مختلف الأمور له.
للأسف ساهمت وسائل الإعلام في تشويه صورة العلاج النفسي والطبيب النفسي
بإظهاره بمظهر مشوه بثياب غريبة ونظرات غريبة وهذا أثر عند الناس، ويرد د.
الحبيب على من يعتقدون أن الأمراض النفسية أعراضها نفسية بحتة ولا يمكن أن
تظهر بأعراض عضوية بالقول: هناك أمراض يصاحبها أعراض عضوية وأخرى لا
يصاحبها أعراض، ويرد على من يقولون بأن الأمراض النفسية ترتبط الجنون
والتخلف العقلي ويقول: أن عزل المريض النفسي في مستشفيات خاصة يؤكد هذا
الكلام الغير علمي.

الوسواس القهري

أما عن مرض" الوسواس القهري" وكيف يقول البعض أنه "مس من الشيطان" فيقول د.
الحبيب أن المعالجين النفسيين لا يرون هناك أي ارتباط بين الوسواس القهري
والشيطان، وهو الأمر الذي يقول به كثير من طلبة العلم الشرعي، ولكن الوسواس
قد يحدث دون سبب سابق، أو يحدث نتيجة اضطراب عضوي لبعض إصابات الرأس أو
بسبب اضطراب نفسي كالاكتئاب ولا ينفي د. الحبيب دور الشيطان في بعض أنواع
الوسواس وربما يكون له دور في بداية المرض أو في أقناع المريض بالوسواس
القهري بتقصيره ولكنه يؤكد أنه مرض نفسي يجب العلاج منه عند الطبيب النفسي.