ينعالى صوت كالهدير ...ويتزايد انهمار المطر...وتقترب الاضواء حتى ظننت اني سافقد بصري
ياالهي الحمد لك انه الباص....لم اظن اني سافرح يوما بقدوم باص كل هذا الفرح...وفتح الباب اوتوماتيكيا
ورايت السائق بلا راس ...ماذا يعني هذا ..انه الباص الاخير وان لم اصعدبه فلن اذهب الى البيت
وساضطر للعودة الى منزل مصطفى ...خيارين كلاهما مر....اقتربت من الباب قليلا ...واذ بذلك الصوت الاجش
الا تريد ان تركب...والتفت الي ..لن انسى تلك اللحظة...فلم ادري ماذا جرى لي ...لقد كان السائق اسمر اللون
وكان ينظر الى الجهة المقابلة...وانا ظننته سائقا بلا راس...
ياالهي مالذي يحصل ....كم اتمنى ان اصل الى منزلي ..واغلق الباب خلفي ...ام ان ذلك لم يعد امنا ايضا؟؟
======================
صعدت الى الباص بتثاقل ...وانا اكاد ان اضحك على نفسي ...نعم لقد كان شديد السمرة
وكانت عيناه تتوهج احمرارا ....يبدو من ارهاق العمل....,لكنه انسان...هكذا قلت في نفسي..
القيت التحية ..فرد علي بدماثة وابتسامة لم تكن في مكانها...وكأن به الم ما يحاول ان يخفيه
دفعت الاجرة في المكان المخصص...فسالني بصوته الاجش ...الى اين...فقلت الى نهاية الطريق
وانطلقت لاجد مكانا لاجلس .....كان فارغا تماما ...الا من الكراسي الفارغة ...وادركت ان هذة هي
المحطة الاخيرة... وانه سوف يمتليء في المواقف القادمة...
سرت الى القسم الخلفي ...وقد بدأ بالتحرك..واتجهت الى اقصى مكان والى المقاعد الخلفية
حتى لا يكون خلفي فارغا...وجلست في المقعد الاخير...وللعلم فقد كان الباص من النوع الطويل
المربوط من منتصفه بمحور دوار...ويسمى باص ونصف...وذلك لهدف ان يتسع لاكبر عدد من الركاب
===============================
بدأت السرعة تتزايد ......ولا اسمع الا صوت الرعد وارقب كل خيال في الخارج يظهر بضوء البرق
ولا ياتي ببالي الا شكل مصطفى...وهو جاحظ العينين...ازرق الشفاة....وما ان التفت الا ارى عينان حمراوتان
تنظر الي في مراة السائق....
كل هذا وانا اهدأ من روعي....واستذكر ايات من القران الكريم.....وبعضا من ادعية....واوعد ربي
باني ساصلح حالي...واني ساحافظ على الصلاة بعد اليوم....فانا لم اكن اصلي الا احيانا في تلك الفترة الضبابية
من حياة الشباب
لم يتوقف الباص ..عندما مر بالموقف التالي....والتفت انظر من النافذة لارى اناسا يلوحون للباص
لماذا لم يتوقف ....ولم كل هؤلاء الناس على الموقف في تلك الساعة من الليل وعلى غير عادة....
نظرت الى المراة ...ولم اجد اعين السائق ...بل لم ارى الا سوادا
==================================
ازدادت سرعة الباص ....وكان احدا لا يقوده...وانا ارسل عيناي بدقة علّي ارقب السائق...وتراودني
فكرة الذهاب والتحدث اليه........وعندما عقدت العزم وبدأت بمحاولة الوقوف....بدء الباص بالارتجاج الشديد
مما اعادني الى مقعدي....وبدات دقات قلبي تهزني من جديد...واحسست بجفاف شديد في حلقي
[img]
[/img]
بدات الاضواء الداخلية في الباص بالتقطع.....مما زاد من هاعي وارتباكي
لم يعد بامكاني التمسك بالمقعد من شدة الاهتزاز.....وفجاة وبصوت هائل...كأن ارض الباص قد انشقت
وظهر ضوءااحمر يمتليء بالالاف الوجوة البشعة...واصواتا مزعجة كالصرير الحاد...وكان قلبي قد اوشك
على الخروج من اضلاعي...وبدات اشعر بلطم شديد على وجهي...ولم ادري لماذا بدات اصرخ وباعلى صوتي
مصطفى مصطفى....ارجوك مصطفى...وعندها توقفت انفاسي..واحسست بتوقف الزمن...
==============================
ارى نفسي على سطح قارب ابيض....يقابلني قرد ...لا ارى منه الا عينان يقدحان شرارا
يكاد ان يكون اسودا ..ولم يكن حولي الا الصمت والسواد ...ولا ارى شيئا...ولا اسمع الا اعماق نفسي
تصرخ بدون صوت ...تطلب النجدة او حتى الهلاك....ويمر الوقت ..وانا محاصر في ذلك الموقف المريع
فلا استطيع الحراك ولا استطيع الصراخ ...ولا ارى الا تلك العينان البشعتان ..كل ذلك في ظلام دامس
واحيانا يكون ضبابا مقيتا ...لا يظهر الا جسد القرد وقد كان ابيضا بنقاء الثلج
واراني اردد في نفسي اين انا.....وهل هذا عالم الجن ام ماذا...انقذني يالله..
===============================
وبعد فترة وفي لحظة مزعجة قاتلة احسست بشيء يهزني...واصوات متناثرة غريبة مزعجة...ومحادثات
وصور ياهتة...من ضمنها ارى وجه مصطفى...وهو يقول لي ...الم اقل لك ....وبدء الصوت يقترب رويدا
رويدا ...وملامح مصطفى تبرز وتتتضح وحوله وجوها اخرى لا اعرفها...وتتحول عينا القرد الى عيني فتاة بشعة ...
تقف الى جانب القارب..وتحدق بي..بوجه شديد الملامح..
قال مصطفى وبالعربيه ...والله اهلا وسهلا ...راح الشر ...وانا انظر باستغراب...ويستطرد قائلا
وانا اقول لماذا لم اراك منذ مدة ولم اسمع منك...
استجمعت قليلا من قوتي ...محاولا النهوض...فلم استطع الا قليلا ...والجميع يقول لي اهدأ...اهدأ
فجراحك لم تشفى بعد...وادركت اني في المستشفى المركزي في بلغراد..وبعد حادث مفجع اودى بحياة السائق
وانا اعاني من كسور ..ومن جروح عميقة...وما زلت اتلفت حولي ..ولا يهزني الا قول مصطفى فما زال يردد
بصوت خافت ...لقد قلت لك ....لقد حذرتك ...والاتي ....اللهم اجعله خير....
امسكت بقميصه بما استطعت من قوة..فابتسم وامسك بيدي..
======================والى اللقاء في الجزء القادم======اسماعيل غانم====