يا بنتي أنا رجل يمشي إلى الخمسين قد فارق الشباب وودع أحلامه وأوهامه،
ثم إني سحت في البلدان ولقيت الناس وخبرت الدنيا فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي لم تسمعيها من غيري،
لقد كتبت وناديت؛ ندعو إلى تقويم الأخلاق ومحو الفساد وقهر الشهوات حتى
كلت منا الأقلام وملت الالسنة وما صنعنا شيئا ولا أزلنا منكرا،
بل إن المنكرات لتزداد والفساد ينتشر والسفور والحسور والتكشف تقوى
شرّته وتتسع دائرته ويمتد من بلد إلى بلد حتى لم يبق بلد إسلامي - فيما
احسب- في نجوة منه.
ما نجحنا وما أظن أننا سننجح ، أتدرين لماذا؟
لأننا لم نهتد حتى اليوم إلى باب الإصلاح ولم نعرف طريقه.
إن باب الإصلاح أمامك أنت يا بنتي ومفتاحه بيدك،
فإذا آمنت بوجوده وعملت على دخوله صلحت الحال.
صحيح إن الرجل هو الذي يخطو الخطوة الأولى في طريق الإثم لا تخطوها المرأة أبدا!
ولكن لولا رضاك ما أقدم ولولا لينك ما اشتد.
أنت فتحت له وهو الذي دخل،
قلت للص تفضل... فلما سرقك اللص صرخت أغيثوني يا ناس سرقت!
ولو عرفت أن الرجال جميعا ذئاب وأنت النعجة لفررت منهم فرار النعجة من الذئب، وإنهم جميعا لصوص لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص.
وإذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها، فالذي يريده منك الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة، وشر عليك من الموت عليها،
يريد منك أعز شئ عليك: عفافك الذي تشرفين، وبه تفخرين، وبه تعيشين.
وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها، أشد عليها بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها... إي والله.
ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال، من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها
وأدبها، وأنهم يكلمونها كلام الرفيق، ويودونها ود الصديق، كذب والله.
وما يبسم لك الشاب بسمة، ولا يلين لك كلمة، ولا يقدم لك خدمة، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد.
وماذا بعد؟ ماذا يا بنت؟ فكري.
تشتركان في لذة ساعة، ثم ينسى هو، وتظلين أنت أبدا تتجرعين غصصها،
يمضي (خفيفا) يفتش عن "مغفلة" أخرى يسرق منها عرضها، وينوء بك أنت ثقل الحمل في بطنك، والهم في نفسك، والوصمة على جبينك.
يغفر له هذا المجتمع الظالم، ويقول: شاب ضل ثم تاب!
وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة، لا يغفر لك المجتمع أبدا.
ولو انك إذ لقيته نصبت له صدرك، وزويت عنه بصرك، وأريته الحزم والإعراض...
فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد، نزعت حذاءك من رجلك، ونزلت به على رأسه!!
لو أنك فعلت هذا، لرأيت من كل من يمر في الطريق عونا لك عليه، ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار،
ولجاءك ( إن كان صالحا ) تائبا مستغفرا، يسأل الصلة بالحلال، جاءك يطلب الزواج.
والبنت مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه، لا تجد أملها الأكبر وسعادتها إلا في الزواج،
في أن تكون زوجا صالحة، وأما موقرة، وربة بيت.
سواء في ذلك الملكات و الأميرات، وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء.
الزواج أقصى أماني المرأة ولو صارت عضوة البرلمان وصاحبة السلطان،
و"الفاسقة المستهترة" لا يتزوجها احد، حتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج إن هي غوت وسقطت تركها وذهب - إذا أراد الزواج-
فتزوج غيرها من الشريفات لأنه لا يرضى أن تكون ربة بيته وأم بنته امرأة "ساقطة" !
...إنكن صبايا جميلات فلذلك يقبل عليكن الشباب ويحومون حولكن ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال؟
ومتى دام في الدنيا شئ حتى يدوم على الصبيّة صباها وعلى الجميلة جمالها؟
فكيف يكن إذا صرتن عجائز محنيات الظهور مجعّدات الوجوه من يهتم يومئذ بكن ومن يسأل عنكن!
أتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها؟
أولادها وبناتها وحفدتها وحفيداتها، هناك تكون عجوز ملكة في رعيتها
ومتوجة على عرشها على حين تكون الأخرى ... انتن اعرف بما تكون عليه!
فهل تساوي هذه اللذة تلك الآلام؟ وهل تشتري بهذه البداية تلك النهاية?